المهانين المقهورين ، من الصغار. يقال : صغر فلان ـ كفرح ـ يصغر صغارا ، إذا ذل وهان.
قالوا : وأكدت السجن بالنون الثقيلة وبالقسم لتحققه في نظرها ، وأكدت الصغار بالنون الخفيفة لأنه غير متحقق فيه ، ولأنه من توابع السجن ولوازمه.
وفي هذا التهديد ما فيه من الدلالة على ثقتها من سلطانها على زوجها ، وأنه لا يستطيع أن يعصى لها أمرا ، مع أنه عزيز مصر ..
ويترامى على مسامع يوسف ـ عليهالسلام ـ هذا التهديد السافر ... فيلجأ إلى ربه مستجيرا به. ومحتميا بحماه ويقول : «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه ..».
أى : قال يوسف ـ عليهالسلام ـ متضرعا إلى ربه ـ تعالى ـ يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها ، أحب إلى ، وآثر عندي مما يدعونني إليه من ارتكاب الفواحش.
وقال أحب إلى مما يدعونني إليه ، ولم يقل مما تدعوني إليه امرأة العزيز ، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر ، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه ، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار ..
قال الآلوسى : «وإسناد الدعوة إليهن ، لأنهن خوفنه من مخالفتها ، وزين له مطاوعتها.
فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك ، واقض حاجتها ، لتأمن عقوبتها .. وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته ، فلما خلت به دعته إلى نفسها ...
وقوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) واعتراف منه ـ عليهالسلام ـ بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإغراء ، إذا لم يكن معه عون الله ـ تعالى ـ وعنايته ورعايته.
و (أَصْبُ) من الصبوة وهي الميل إلى الهوى ، يقال : صبا فلان يصبو صبوا وصبوة ، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر ، ومنه ريح الصبا ، وهي التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها.
والمعنى : وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة ، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن ، أمل إليهن. وأطاوعهن على ما يردنه منى ، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم ، فيقعون في القبائح والمنكرات.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) بيان