والضمير في قوله : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) يعود إلى مشركي مكة ، وإلى كل من كان على شاكلتهم في الكفر والطغيان. والمراد بالفرح هنا : الأشر والبطر وجحود النعم.
أى : وفرح هؤلاء الكافرون بربهم ، الناقضون لعهودهم ، بما أوتوا من بسطة في الرزق في دنياهم ، فرح بطر وأشر ونسيان للآخرة لا فرح سرور بنعم الله ، وشكر له ـ سبحانه ـ عليها ، وتذكر للآخرة وما فيها من ثواب وعقاب ...
وقوله ـ سبحانه ـ (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) بيان لقلة نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة.
والمتاع : ما يتمتع به الإنسان في دنياه من مال وغيره لمدة محددة ثم ينقضي.
أى : إن هؤلاء الفرحين بنعم الله عليهم في الدنيا ، فرح بطر وأشر وجحود ، لن يتمتعوا بها طويلا ، لأن نعيم الدنيا ليس إلا شيئا قليلا بالنسبة لنعيم الآخرة.
وتنكير «متاع» للتقليل ، كقوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١).
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ) أى : كائنة في جنب نعيم الآخرة ، فالجار والمجرور في موضع الحال ، و «في» هذه معناها المقايسة وهي كثيرة في الكلام ، كما يقال : ذنوب العبد في رحمة الله ـ تعالى ـ كقطرة في بحر ، وهي الداخلة بين مفضول سابق ، وفاضل لاحق ...
والمراد بقوله : (إِلَّا مَتاعٌ) أى : إلا شيئا يسيرا يتمتع به كزاد الراعي.
والمعنى : أنهم رضوا بحظ الدنيا معرضين عن نعيم الآخرة ، والحال أن ما فرحوا به في جنب ما أعرضوا عنه قليل النفع ، سريع النفاد.
أخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن مسعود قال : نام رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حصير ، فقام وقد أثر في جنبه ، فقلنا يا رسول الله : لو اتخذنا لك؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «مالي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل بشجرة ثم راح وتركها ...» (٢).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد بينت صفات المؤمنين وحسن عاقبتهم ، وصفات الكافرين وسوء مصيرهم كما وضحت أن الأرزاق بيد الله ـ تعالى ـ يعطيها بسعة لمن يشاء من عباده ، ويعطيها بقلة لغيرهم ...
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٩٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٣ ص ١٣١.