وفي الآية المتقدمة ما كانت هذه الدقيقة مذكورة فثبت بما ذكرنا أن عادة هؤلاء الأقوام اللجاج والعناد والمكر (١).
وقوله : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أمر من الله ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يرد عليهم بما يبطل مكرهم.
أى : قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين الذين يسرعون بالمكر في مقام الشكر ، إن الله ـ تعالى ـ أسرع مكرا منكم ؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من مكركم ، ولأن الحفظة من الملائكة يسجلون عليكم أقوالكم وأفعالكم ، التي تحاسبون عليها في يوم القيامة حسابا عسيرا ، وسترون أن مكركم السيئ لا يحيق إلا بكم.
وقوله : (أَسْرَعُ) أفعل تفضيل من الفعل الثلاثي سرع ـ كضخم وحسن ـ ، أو من الفعل الرباعي «أسرع» عند من يرى ذلك.
والجملة الكريمة تحقيق للانتقام منهم. وتنبيه على أن مكرهم الخفى غير خاف على الحفظة من الملائكة فضلا عن الخالق ـ عزوجل ـ الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وسمى ـ سبحانه ـ إنكارهم لآياته واستهزاءهم بها مكرا ، لأنهم كانوا كثيرا ما يتجمعون سرا ، ليتشاوروا في المؤامرات التي يعرقلون بها سير الدعوة الإسلامية ، وفي الشبهات التي يوجهونها إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
ثم ساق ـ سبحانه ـ مشهدا حيا. تراه العيون ، وتهتز له القلوب ، ويجعل المشاعر تتجه إلى الله وحده بالدعاء فقال ـ تعالى ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..).
والسير معناه : الانتقال من مكان إلى آخر. والتسيير معناه : جعل الإنسان أو الحيوان أو غيرهما يسير بذاته ، أو بواسطة دابة أو سفينة أو غيرهما ، مما سخره الله ـ تعالى ـ له بقدرته ورحمته.
أى : هو ـ سبحانه ـ الذي يسيركم بقدرته ورحمته في البر والبحر ، بواسطة ما وهبكم من قدرة على السير ، أو ما سخر لكم من دواب وسفن وغيرهما مما تستعملونه في سفركم ، وكل ذلك من أجل مصلحتكم ومنفعتكم.
ثم قال ـ تعالى ـ (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها ...).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٧ ص ٦٥.