وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ، نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها ، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) بيان لنوع آخر من أنواع منافع الحيوان للإنسان.
قال أبو حيان في البحر ؛ والجمال مصدر جمل ـ بضم الميم ـ ، يقال رجل جميل وامرأة جميلة وجملاء ، قال الشاعر :
فهي جملاء كبدر طالع |
|
بذت الخلق جميعا بالجمال |
والجمال يكون في الصورة بحسن التركيب ، بحيث يدركه البصر فتتعلق به النفس.
ويكون في الأخلاق ، باشتمالها على الصفات المحمودة ، كالعلم والعفة والحلم.
ويكون في الأفعال ، بوجودها ملائمة لمصالح الخلق. وجلب المنفعة لهم وصرف الشر عنهم ..» (٢).
وجمال الأنعام من النوع الأول ، ومن جمالها ـ أيضا ـ كثرتها ودلالتها على أن صاحبها من أهل السعة واليسار.
وقوله «تريحون» من الإراحة ، يقال : أراح فلان ماشيته إراحة ، إذا ردها إلى المراح ، وهو منزلها الذي تأوى إليه ، وتبيت فيه.
و «تسرحون» من السروح ، وهو الخروج بها غدوة من حظائرها إلى مسارحها ومراعيها.
يقال : سرحت الماشية أسرحها سرحا وسروحا ، إذا أخرجتها إلى المرعى.
ومفعول الفعلين «تريحون وتسرحون» محذوف للعلم به.
والمعنى : ولكم ـ أيها الناس ـ في هذه الأنعام جمال وزينة ، حين تردونها بالعشي من مسارحها إلى معاطنها التي تأوى إليها ، وحين تخرجونها بالغداة من معاطنها إلى مسارحها ومراعيها.
وخص ـ سبحانه ـ هذين الوقتين بالذكر ، لأنهما الوقتان اللذان تتراءى الأنعام فيهما ، وتتجاوب أصواتها ذهابا وجيئة ، ويعظم أصحابها في أعين الناظرين إليها.
__________________
(١) سورة المؤمنون آية ٢١.
(٢) تفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٤٧٥ ـ بتصرف وتلخيص.