باهرة ، ودلالة عظيمة ، على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، لقوم يحسنون التفكير ، ويجيدون التأمل في خلقه ، أما الذين لا يحسنون التفكير والتأمل ، فهم كالأنعام بل هم أضل.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقال ـ سبحانه ـ : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) لأن من تفكر في أن الحبة والنواة ، تقع في الأرض ، وتصل إليها نداوة تنفذ فيها ، فينشق أسفلها ، فيخرج منه عروق تنبسط في أعماق الأرض ، وينشق أعلاها وإن كانت منتكسة في الوقوع ...
من تفكر في ذلك علم أن من هذه آثاره وأفعاله ، لا يمكن أن يشبهه غيره في صفة من صفات الكمال ، فضلا عن أن يشاركه في أخص صفاته التي هي الألوهية واستحقاق العبادة.
وحيث كان الاستدلال بما ذكر ، مشتملا على أمر خفى محتاج إلى التفكر والتدبر لمن له نظر سديد ، ختم ـ سبحانه ـ الآية بالتفكر (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ دلائل أخرى مما خلق لنفع الإنسان ، تدل على وحدانيته وقدرته ، فقال ـ تعالى :
(وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣)
وقوله «سخر» من التسخير بمعنى التذليل والتكليف ، يقال. سخر فلان فلانا تسخيرا ، إذا كلفه عملا بلا أجرة ، والمراد به هنا : الإعداد والتهيئة لما يراد الانتفاع به أى : ومن آياته سبحانه الدالة على وحدانيته وقدرته ، أنه «سخر لكم الليل والنهار» يتعاقبان فيكم لتسكنوا في الليل ، ولتبتغوا الرزق بالنهار.
وأنه ـ سبحانه ـ سخر لكم «الشمس والقمر» يدأبان في سيرهما بدون كلل أو
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٠٨.