والمعنى : وسخر لكم ـ أيضا ـ ما أوجده في الأرض من أجل منفعتكم من عجائب الأمور ، ومختلف الأشياء ، من حيوان ونبات ، ومعادن مختلفة الألوان والأجناس والخواص.
ولا شك أن في اختلاف الألوان والمناظر والهيئات وغير ذلك ، فيه الدلالة الواضحة على قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى أنه الخالق لكل شيء.
قال ـ تعالى ـ (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ ...) (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) أى : إن في ذلك الذي بيناه لكم ، لآية واضحة على قدرة الله ـ تعالى ـ لقوم يعتبرون ، ويتذكرون آلاء الله ونعمه ، فيشكرونه عليها ، ويخلصون له العبادة.
وبعد أن ذكر ـ سبحانه ـ جملة من نعمه التي أوجدها لعباده في البر ، أتبع ذلك ببيان جانب من نعمه عليهم عن طريق خلقه للبحر ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٤)
ففي هذه الآية الكريمة بين ـ سبحانه ـ أربع نعم على عباده في تسخير البحر لهم.
أما النعمة الأولى فتتجلى في قوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا).
والطري : ضد اليابس ، والمصدر الطراوة ، وفعله طرو بوزن خشن وقرب.
أى : وهو ـ سبحانه ـ وحده الذي ذلل لكم البحر ، بحيث مكنكم من الانتفاع به ، وأقدركم على الركوب عليه ، وعلى الغوص فيه ، وعلى الصيد منه ، لتأكلوا من أسماكه لحما. طريا غضا شهيا.
__________________
(١) سورة الروم الآية ٢٢.