الأمر ، لأنهم يأكلون ويتمتعون سواء أترك الرسول صلىاللهعليهوسلم دعوتهم أم دعاهم.
والفاء في قوله ـ سبحانه ـ (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) للتفريع الدال على الزجر والإنذار. والاستجابة للحق قبل فوات الأوان.
أى : ذرهم فيما هم فيه من حياة حيوانية ، لا تفكر فيها ولا تدبر ، ومن آمال خادعة براقة شغلتهم عن حقائق الأمور ، فسوف يعلمون سوء عاقبة ذلك وسوف يرون ما يحزنهم ويشقيهم ويبكيهم طويلا بعد أن ضحكوا قليلا ...
وفي ذلك إشارة إلى أن لإمهالهم أجلا معينا ينقضي عنده ، ثم يأتيهم العذاب الأليم.
قال الآلوسى ـ رحمهالله ـ : وفي هذه الآية إشارة إلى أن التلذذ والتنعم ، وعدم الاستعداد للآخرة ، والتأهب لها ، ليس من أخلاق من يطلب النجاة.
وجاء عن الحسن : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.
وأخرج أحمد في الزهد ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ لا أعلمه إلا رفعه ـ قال : «صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين ، ويهلك آخرها بالبخل وطول الأمل».
وفي بعض الآثار عن على ـ كرم الله وجهه ـ : إنما أخشى عليكم اثنين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، فإن طول الأمل ينسى الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق» (١).
هذا ، وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُون) (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) (٤).
ثم قرر ـ سبحانه ـ أن هلاك الأمم الظالمة ، موقوت بوقت محدد في علمه ، وأن سنته في ذلك ماضية لا تتخلف ، فقال ـ تعالى ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ. ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٩.
(٢) سورة الزخرف الآية ٨٣.
(٣) سورة الطور الآية ٤٥.
(٤) سورة ابراهيم الآية ٣٠.