فهم متوكلون عليه ـ سبحانه ـ وحده في السراء والضراء ، وفي العسر واليسر ، وفي المنشط والمكره.
والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين ، يراهما قد غرستا في النفوس محبة هذا الدين ، والاستهانة بكل ألم أو ضر أو مصيبة في سبيل إعلاء كلمته ، والرغبة فيما عند الله ـ تعالى ـ من أجر وثواب.
ثم رد ـ سبحانه ـ على المشركين الذين أنكروا أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم من البشر ، فبين ـ سبحانه ـ أن الرسل السابقين الذين لا ينكر المشركون نبوتهم كانوا من البشر ، فقال ـ تعالى ـ.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤)
قال الإمام ابن كثير : عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : لما بعث الله ـ تعالى ـ محمدا صلىاللهعليهوسلم رسولا ، أنكرت العرب ذلك ، أو من أنكر منهم ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ، فأنزل الله : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ ..) (١) وقال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ..) (٢).
أى : وما أرسلنا من قبلك ـ أيها الرسول الكريم ـ لهداية الناس وإرشادهم إلى الحق إلا رجالا مثلك ، وقد أوحينا إليهم بما يبلغونه إلى أقوامهم ، من نصائح وتوجيهات وعبادات وتشريعات ، وقد لقى هؤلاء الرسل من أقوامهم ، مثل ما لقيت من قومك من أذى وتكذيب وتعنت في الأسئلة.
فالمقصود من الآية الكريمة تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم والرد على المشركين فيما أثاروه حوله صلىاللهعليهوسلم من شبهات.
__________________
(١) سورة يونس الآية ٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٩٢.