و «من» في قوله (مِنْ قَرْيَةٍ) و (مِنْ أُمَّةٍ) للتأكيد. والمراد بالقرية أهلها.
والمراد بالكتاب المعلوم : الوقت المحدد في علم الله ـ تعالى ـ لهلاكها ، شبه بالكتاب لكونه لا يقبل الزيادة أو النقص. والأجل : مدة الشيء.
أى : وما أهلكنا من قرية من القرى الظالم أهلها ، إلا ولهلاكها وقت محدد في علمنا المحيط بكل شيء ، ومحال أن تسبق أمة من الأمم أجلها المقدر لها أو تتأخر عنه.
قال ابن جرير ـ رحمهالله ـ عند تفسيره لهاتين الآيتين ما ملخصه : يقول ـ تعالى ـ ذكره ـ (وَما أَهْلَكْنا) يا محمد (مِنْ) أهل (قَرْيَةٍ) من القرى التي أهلكنا أهلها فيما مضى : (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) أى : أجل مؤقت ومدة معروفة ، لا نهلكهم حتى يبلغوها ، فإذا بلغوها أهلكناهم عند ذلك .. دون أن يتقدم هلاكهم عن ذلك أو يتأخر» (١).
وجملة (إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) في محل نصب على الحال من قرية ، وصح ذلك لأن كلمة قرية وإن كانت نكرة ، إلا أن وقوعها في سياق النفي سوغ مجيء الحال منها.
أى : ما أهلكناها في حال من الأحوال ، إلا في حال بلوغها نهاية المدة المقدرة لبقائها دون تقديم أو تأخير.
قال ـ تعالى ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٢) وجملة «ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون» بيان لجملة «إلا ولها كتاب معلوم» لتأكيد التحديد ، في بدئه وفي نهايته.
وحذف متعلق «يستأخرون» للعلم به ، أى : وما يستأخرون عنه.
والآيتان الكريمتان تدلان بوضوح ، على أن إمهال الظالمين ليس معناه ترك عقابهم ، وإنما هو رحمة من الله بهم لعلهم أن يثوبوا إلى رشدهم ، ويسلكوا الطريق القويم ...
فإذا ما لجوا في طغيانهم ، حل بهم عقاب الله ـ تعالى ـ في الوقت المحدد في علمه ـ سبحانه ـ.
قال صاحب الظلال : ولقد يقال : إن أمما لا تؤمن ولا تحسن ولا تصلح ولا تعدل. وهي مع ذلك قوية ثرية باقية ، وهذا وهم.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٤ ص ٥.
(٢) سورة الأعراف الآية ٣٤.