وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد حذرت الكافرين من التمادي في كفرهم ، وهددتهم : بخسف الأرض بهم. أو بنزول العذاب عليهم من حيث لا يشعرون ، أو بإهلاكهم وهم في الأرض يكدحون ، أو بأخذهم وهم للأخذ متوقعون.
وبعد أن خوف ـ سبحانه ـ الماكرين بما خوف ، أتبع ذلك بما يدل على كمال قدرته وعظمته وجلاله ، حيث خضعت جميع المخلوقات لذاته ـ سبحانه ـ فقال ـ تعالى ـ :
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٥٠)
قرأ جمهور القراء «أو لم يروا ..» وقرأ حمزة والكسائي : «أو لم تروا» بالتاء ، على الخطاب ، على طريقة الالتفات.
وقوله «من شيء» بيان للإبهام الذي في «ما» الموصولة في قوله «إلى ما خلق الله».
وقوله «يتفيأ» من التفيؤ ، بمعنى الرجوع. يقال : فاء فلان يفيء إذا رجع وفاء الظل فيئا ، إذا عاد بعد إزالة ضوء الشمس له. وتفيؤ الظلال : تنقلها من جهة إلى أخرى بعد شروق الشمس ، وبعد زوالها.
والظلال : جمع ظل ، وهو صورة الجسم المنعكس إليه نور.
و «داخرون» من الدخور بمعنى الانقياد والخضوع ، يقال : دخر فلان يدخر دخورا ، ودخر ـ بزنة فرح ـ يدخر دخرا ، إذا انقاد لغيره وذل له.
والمعنى : أعمى هؤلاء المشركون الذين مكروا السيئات ، ولم يروا ما خلق الله ـ تعالى ـ من الأشياء ذوات الظلال ـ كالجبال والأشجار وغيرها ـ وهي تتنقل ظلالها. من جانب إلى جانب ، ومن جهة إلى جهة ، باختلاف الأوقات وهي في كل الأحوال والأوقات منقادة لأمر الله ـ تعالى ـ جارية على ما أراده لها من امتداد وتقلص وغير ذلك ، خاضعة كل الخضوع لما سخرت له.