قوله ـ تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ ، أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ ..) (٢).
فهذه الآيات الكريمة تصور الطبائع البشرية أكمل تصوير وأصدقه ، إذ الناس ـ إلا من عصم الله ـ يجأرون إلى الله ـ تعالى ـ بالدعاء عند الشدائد والمحن ، وينسونه عند السراء والرخاء.
واللام في قوله «ليكفروا بما آتيناهم ..» يصح أن تكون للتعليل ، وأن تكون هي التي تسمى بلام العاقبة أو الصيرورة.
قال الشوكانى : «واللام في «ليكفروا بما آتيناهم ..» لام كي. أى : لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر ، حتى لكأن هذا الكفر منهم الواقع في موقع الشكر الواجب عليهم ، غرض لهم ومقصد من مقاصدهم. وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية.
وقيل : اللام للعاقبة : يعنى ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا الكفر ..» (٣).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تهديد ووعيد لهم على جحودهم لنعم الله ـ تعالى ـ والجملة الكريمة معمولة لقول محذوف.
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ اعملوا ما شئتم وانتفعوا من متاع الدنيا كما أردتم فسوف تعلمون سوء عاقبتكم يوم القيامة.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك جانبا من عقائدهم الباطلة ، وأفعالهم القبيحة التي تمجها العقول السليمة ، والأفكار القويمة ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧)
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٥١.
(٢) سورة يونس الآية ١٢.
(٣) تفسير الشوكانى ج ٣ ص ١٦٩.