وقوله (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) بيان لما سيحل بهم فيما لو أجاب الله ـ تعالى ـ مقترحاتهم.
و «إذا» حرف جواب وجزاء.
و «منظرين» من الإنظار بمعنى التأخير والتأجيل.
وهذه الجملة جواب لجملة شرطية محذوفة ، تفهم من سياق الكلام ، والتقدير : ولو أنزل ـ سبحانه ـ الملائكة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وبقي هؤلاء المشركون على شركهم مع ذلك ، لعوجلوا بالعقوبة المدمرة لهم ، وما كانوا إذا ممهلين أو مؤخرين ، بل يأخذهم العذاب بغتة.
قال الإمام الشوكانى : قوله (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) في الكلام حذف. والتقدير : ولو أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة ، وما كانوا إذا منظرين. فالجملة المذكورة جزاء للجملة الشرطية المحذوفة» (١).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه قد تكفل بحفظ هذا القرآن الذي سبق للكافرين أن استهزءوا به ، وبمن نزل عليه فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
أى : إنا نحن بقدرتنا وعظم شأننا نزلنا هذا القرآن الذي أنكرتموه ؛ على قلب نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم (وَإِنَّا) لهذا القرآن (لَحافِظُونَ) من كل ما يقدح فيه ، كالتحريف والتبديل ، والزيادة والنقصان والتناقض والاختلاف ، ولحافظون له بالإعجاز ، فلا يقدر أحد على معارضته أو على الإتيان بسورة من مثله ، ولحافظون له بقيام طائفة من أبناء هذه الأمة الإسلامية باستظهاره وحفظه والذب عنه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
قال صاحب الكشاف : قوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رد لإنكارهم واستهزائهم في قولهم (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) ، ولذلك قال : إنا نحن ، فأكد عليهم أنه هو المنزل على القطع والبتات ، وأنه هو الذي بعث به جبريل إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ومن بين يديه ومن خلفه رصد حتى نزل وبلغ محفوظا من الشياطين ، وهو حافظه في كل وقت من كل زيادة ونقصان ...» (٣).
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٣ ص ١٢٢ للشوكانى.
(٢) سورة الأنعام الآية ٨.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣٨٨.