وقال الآلوسى : ما ملخصه : «ولا يخفى ما في سبك الجملتين ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من الدلالة على كمال الكبرياء والجلالة ، وعلى فخامة شأن التنزيل ، وقد اشتملتا على عدة من وجوه التأكيد. و (نَحْنُ) ليس ضمير فصل لأنه لم يقع بين اسمين ، وإنما هو إما مبتدأ أو توكيد لاسم إن. والضمير في (لَهُ) للقرآن كما هو الظاهر ، وقيل هو للنبي صلىاللهعليهوسلم ...» (١).
هذا ونحن ننظر في هذه الآية الكريمة ، من وراء القرون الطويلة منذ نزولها فنرى أن الله ـ تعالى ـ قد حقق وعده في حفظ كتابه ، ومن مظاهر ذلك :
١ ـ أن ما أصاب المسلمين من ضعف ومن فتن ، ومن هزائم ، وعجزوا معها عن حفظ أنفسهم وأموالهم وأعراضهم .. هذا الذي أصابهم في مختلف الأزمنة والأمكنة ، لم يكن له أى أثر على قداسة القرآن الكريم ، وعلى صيانته من أى تحريف.
ومن أسباب هذه الصيانة أن الله ـ تعالى ـ قيض له في كل زمان ومكان ، من أبناء هذه الأمة ، من حفظه عن ظهر قلب ، فاستقر بين الأمة بمسمع من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وصار حفاظه بالغين عدد التواتر في كل مصر وفي كل عصر.
قال الفخر الرازي : فإن قيل : فلما ذا اشتغل الصحابة بجمع القرآن في المصحف ، وقد وعد الله بحفظه ، وما حفظه الله فلا خوف عليه؟
فالجواب : أن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله ـ تعالى ـ إياه ، فإنه ـ سبحانه ـ لما أن حفظه قيضهم لذلك ....» (٢).
٢ ـ أن أعداء هذا الدين ـ سواء أكانوا من الفرق الضالة المنتسبة للإسلام أم من غيرهم ـ امتدت أيديهم الأثيمة إلى أحاديث النبي صلىاللهعليهوسلم فأدخلوا فيها ما ليس منها ... وبذل العلماء العدول الضابطون ما بذلوا من جهود لتننقية السنة النبوية مما فعله هؤلاء الأعداء ..
ولكن هؤلاء الأعداء ، لم يقدروا على شيء واحد ، وهو إحداث شيء في هذا القرآن ، مع أنهم وأشباههم في الضلال ، قد أحدثوا ما أحدثوا في الكتب السماوية السابقة ..
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ١٥.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٩ ص ١٦٠.