ثم نهى ـ سبحانه ـ عن القول على الله ـ تعالى ـ بغير علم اتباعا للظن والأوهام ، فقال :
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١٧)
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ..) «ما» موصولة ، والعائد محذوف ، أى : ولا تقولوا ـ في شأن الذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة ـ هذا حلال وهذا حرام ، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر ، فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه ، بل مجرد قول باللسان.
ولفظ «الكذب» منتصب على أنه مفعول به ل (تَقُولُوا) وقوله ـ سبحانه ـ : (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بدل منه .. (١).
والمعنى : ولا تقولوا ـ أيها الجاهلون ـ للشيء الكذب الذي تصفه ألسنتكم ، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان. هذا الشيء حلال وهذا الشيء حرام.
وقد حكى الله ـ تعالى ـ عن هؤلاء الجاهلين في آيات كثيرة ، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ..) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ، قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٣).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت : هو من فصيح
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٤٧.
(٢) سورة الانعام الآية ١٣٩.
(٣) سورة يونس الآية ٥٩.