أى : إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ من بعد هذه التوبة النصوح ، لكثير المغفرة والرحمة للتائبين.
والتعبير ـ بثم ـ في قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ ...) وقوله : (... ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) لبيان الفرق الشاسع بين رحمة الله ـ تعالى ـ بعباده ، وبين ما يصدر عن بعضهم من كفران وارتكاب للمعاصي ، وبين المصرين على فعل السوء ، وبين التائبين عنه.
وكرر ـ سبحانه ـ (إِنَّ رَبَّكَ) مرتين في الآية الواحدة ، لتأكيد الوعد وإظهار كمال العناية بإنجازه.
وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ، فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (١).
ثم مدح ـ سبحانه ـ خليله ابراهيم مدحا عظيما ، وأنه بشره بالعطاء الذي يسعده في دنياه وآخرته ، وأمر نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم باتباع ملة أبيه إبراهيم ، فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤)
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف خليله ابراهيم ـ عليهالسلام ـ بجملة من الصفات الفاضلة. والمناقب الحميدة.
وصفه أولا ـ بأنه (كانَ أُمَّةً).
__________________
(١) سورة النساء الآية ١٧.