أى : وبال يوم السبت ولعنته (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) ، وهم اليهود ، حيث استحله بعضهم فاصطادوا فيه ، فعذبوا ومسخوا .. وثبت بعضهم على تحريمه فلم يصطد فيه ، فلم يعذبوا .. والقول الأول أقرب إلى الصحة (١).
وقال الإمام ابن كثير : وقد ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم ـ أى أهل الكتاب ـ أوتوا الكتاب من قبلنا ، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم ـ أى يوم الجمعة ـ فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ حكمه العادل فيهم فقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). أى : وإن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ ليحكم بين هؤلاء المختلفين يوم القيامة ، بأن ينزل بهم العقوبة التي يستحقونها بسبب مخالفتهم لنبيهم ، وإعراضهم عن طاعته فيما أمرهم به من تعظيم يوم الجمعة.
ويصح أن يكون المعنى : وإن ربك ليحكم بحكمه العادل بين هؤلاء اليهود الذين اختلفوا في شأن يوم السبت ، حيث استحله بعضهم ، وحرمه البعض الآخر ، فيجازى كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت إبراهيم ـ عليهالسلام ـ مدحا عظيما ، وذكرت جانبا من المآثر التي أكرمه الله ـ تعالى ـ بها ، وبرأته مما ألصقه به المشركون وأهل الكتاب من تهم باطلة ، ودعاوى كاذبة.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بتلك الآيات الجامعة لآداب الدعوة إلى الله ، والهادية إلى مكارم الأخلاق ، فقال ـ تعالى ـ :
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٠٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٩١.