التعلق بالرسوم والعادات ، قاصرة عن درجة البرهان ، لكن لا عناد عندهم ، وهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة.
ومنهم من يعاند ويجادل بالباطل ليدحض به الحق ، لما غلب عليه من تقليد الأسلاف ، ورسخ فيه من العقائد الباطلة ، فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر ، بل لا بد من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال ، لتلين عريكته ، وتزول شكيمته ، وهؤلاء الذين أمر صلىاللهعليهوسلم بجدالهم بالتي هي أحسن (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) بيان لكمال علم الله ـ تعالى ـ وإحاطته بكل شيء ، وإرشاد للدعاة في شخص نبيهم صلىاللهعليهوسلم إلى أن عليهم أن يدعوا الناس بالطريقة التي بينها ـ سبحانه ـ لهم ، ثم يتركوا النتائج له ـ تعالى ـ يسيرها كيف يشاء.
والظاهر أن صيغة التفضيل (أَعْلَمُ) في هذه الآية وأمثالها ، المراد بها مطلق الوصف لا المفاضلة ، لأن الله ـ تعالى ـ لا يشاركه أحد في علم أحوال خلقه ، من شقاوة وسعادة ، وهداية وضلال.
والمعنى : إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ هو وحده العليم بمن ضل من خلقه عن صراطه المستقيم ، وهو وحده العليم بالمهتدين منهم إلى السبيل الحق وسيجازى كل فريق منهم بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
وما دام الأمر كذلك ، فعليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تسلك في دعوتك إلى سبيل ربك ، الطرق التي أرشدك إليها ، من الحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ومن كان فيه خير ـ كما يقول صاحب الكشاف ـ كفاه الوعظ القليل ، والنصيحة اليسيرة ، ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل ، وكأنك تضرب منه في حديد بارد (٢).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ أنجع أساليب الدعوة إلى سبيله في حالة المسالمة والمجادلة بالحجة والبرهان ، أتبع ذلك ببيان ما ينبغي على المسلم أن يفعله في حالة الاعتداء عليه أو على دعوته فقال ـ تعالى ـ : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ...).
أى : وإن أردتم معاقبة من ظلمكم واعتدى عليك ، فعاقبوه بمثل ما فعله بكم ، ولا تزيدوا على ذلك ، فإن الزيادة حيف يبغضه الله ـ تعالى ـ.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٢٥٤.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٣٥.