ووصف مسجد فلسطين بالأقصى ، لبعده عن المسجد الحرام ، إذ المسافة بينهما كان يقطعها الراكب للإبل في مدة شهر أو أكثر.
قال الآلوسى : ووصفه بالأقصى ـ أى الأبعد ـ بالنسبة إلى من بالحجاز. وقال غير واحد : إنه سمى به لأنه أبعد المساجد التي تزار من المسجد الحرام وبينهما زهاء أربعين ليلة. وقيل ـ وصف بذلك ـ : لأنه لبس وراءه موضع عبادة فهو أبعد مواضعها .. (١).
وظاهر الآية يفيد أن الإسراء كان من المسجد الحرام ، فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي من حديث أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا أنا في الحجر ـ وفي رواية ـ في الحطيم ، بين النائم واليقظان ، إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه ، فاستخرج قلبي فغسله ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقال له البراق فحملت عليه» ...
وقيل أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب ، فيكون المراد بالمسجد الحرام : الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به. فعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : الحرم كله مسجد.
ويمكن الجمع بين هذه الروايات ، بأن الرسول صلىاللهعليهوسلم بقي في بيت أم هانئ لفترة من الليل ، ثم ترك فراشه عندها وذهب إلى المسجد ، فلما كان في الحجر أو في الحطيم بين النائم واليقظان ، أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى السموات العلا. ثم عاد إلى فراشه قبل أن يبرد ـ كما جاء في بعض الروايات.
وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول صلىاللهعليهوسلم في تلك الليلة في بيت أم هانئ ، لا ينفى أن الإسراء بدأ من المسجد الحرام ، كما تقرر الآية الكريمة.
وقوله (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) صفة مدح للمسجد الأقصى.
أى : جل شأن الله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، الذي أحطنا جوانبه بالبركات الدينية والدنيوية.
أما البركات الدينية فمن مظاهرها : أن هذه الأرض التي حوله ، جعلها الله ـ تعالى ـ مقرا لكثير من الأنبياء ، كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وداود وسليمان ، وزكريا ويحيى وعيسى.
قال ـ تعالى ـ : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها ..) (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٩.
(٢) سورة الأنبياء الآية ٨١.