هذا ، ومن العلماء الذين فصلوا القول في تلك المسألة تفصيلا محققا ، القاضي عياض في كتابه «الشفا» فقد قال ـ رحمهالله ـ بعد أن ساق الآراء في ذلك :
والحق في هذا والصحيح ـ إن شاء الله ـ أنه إسراء بالروح والجسد في القصة كلها ، وعليه تدل الآية وصحيح الأخبار والاعتبار. ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة ، وليس في الإسراء بجسده وروحه حال يقظته استحالة .. (١).
وما قاله القاضي عياض ـ رحمهالله ـ في هذه المسألة هو الذي نعتقده ، ونلقى الله ـ تعالى ـ عليه.
وبعد أن بين الله ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر تكريمه وتشريفه لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم عن طريق إسرائه به. أتبع ذلك بالحديث عما أكرم به نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ فقال :
(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣)
والواو في قوله ـ تعالى ـ : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ، استئنافية ، أو عاطفة على قوله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى ..).
والمراد بالكتاب : التوراة التي أنزلها الله ـ تعالى ـ على نبيه موسى ـ عليهالسلام ـ والضمير المنصوب في قوله : (وَجَعَلْناهُ) يعود إلى الكتاب.
وقوله (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) متعلق بهدى.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ).
وأن في قوله (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) يصح أن تكون زائدة وتكون الجملة مقولة لقول محذوف ، والمعنى :
__________________
(١) راجع الشفا للقاضي عياض ج ١ ص ١٤٥ وما بعدها.