التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٨ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في التفسير الوسيط للقرآن الكريم

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

وقد ذكر صاحب الكشاف هذين الوجهين دون أن يرجح بينهما فقال : قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ..) فيه وجهان : أحدهما : أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما ، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين ، كإضافة العدد إلى المعدود ، أى : فمحونا الآية التي هي الليل ، وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة.

والثاني : أن يراد : وجعلنا نيرى الليل والنار آيتين ، يريد الشمس والقمر ...

أى : فمحونا آية الليل التي هي القمر ، حيث لم نخلق له شعاعا كشعاع الشمس تبصر به الأشياء ، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء (١).

والذي نراه : أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة ؛ ولأنه لا يحتاج إلى تقدير ، وما كان كذلك أولى مما يحتاج إلى تقدير ، ولأن الليل والنهار هما بذاتهما من أظهر العلامات والأدلة على قدرة الله ـ تعالى ـ ووحدانيته.

وهناك عشرات الآيات القرآنية في هذا المعنى ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ...) (٣).

وقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي أوردها الله ـ تعالى ـ في هذا المعنى.

وقوله ـ سبحانه ـ : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بيان لمظهر من مظاهر حكمته ـ تعالى ـ ورحمته بعباده.

والجملة الكريمة متعلقة بما قبلها ، وهو قوله ـ سبحانه ـ : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) أى : جعلنا النهار مضيئا ، لتطلبوا فيه ما تحتاجونه من أمور معاشكم ، ومن الأرزاق التي قسمها الله بينكم.

قال الآلوسى ما ملخصه : وفي التعبير عن الرزق بالفضل ، وعن الكسب بالابتغاء : دلالة على أنه ليس للعبد في تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب ، وإنما الإعطاء من الله ـ تعالى ـ

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٠.

(٢) سورة يس الآية ٣٧.

(٣) سورة فصلت الآية ٣٧.

(٤) سورة آل عمران الآية ١٩٠.