(وإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِه خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَه فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَه جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) ومَنْ أَرادَ الآخِرَةَ وسَعى لَها سَعْيَها وهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ولَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّه إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا) (٢٢)
قال أبو حيان ـ رحمه اللَّه ـ : لما ذكر ـ تعالى ـ في الآية السابقة ، أنه لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا ، بين بعد ذلك علة إهلاكهم ، وهي مخالفة أمر الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ، والتمادي على الفساد ـ فقال ، سبحانه ـ : (وإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : أَمَرْنا من الأمر الذي هو ضد النهى ، والمأمور به هو الإيمان والعمل الصالح ، والشكر للَّه رب العالمين ، وحذف لظهوره والعلم به.
وقوله مُتْرَفِيها جمع مترف ، وهو المتنعم الذي لا يمنع من تنعمه ، بل يترك يفعل ما يشاء. يقال : ترف فلان ـ كفرح ـ أي : تنعم ، وفلان أترفته النعمة ، أي : أطغته وأبطرته لأنه لم يستعملها في وجوهها المشروعة.
__________________
(١) تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٦ ص ١٧.