تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ ..) (١).
وقال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل ، لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح. وقوله (وَمَنْ فِيهِنَ) يريد الملائكة والإنس والجن ، ثم عمم بعد ذلك الأشياء كلها في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ).
واختلف في هذا العموم هل هو مخصص أولا. فقالت فرقة : ليس مخصوصا ، والمراد به تسبيح الدلالة ، كل محدث يشهد على نفسه بأن الله ـ عزوجل ـ خالق قادر.
وقالت طائفة : هذا التسبيح حقيقة ، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر : ولا يفقهونه ، ولو كان ما قاله الأولون من أنه أثر الصفة والدلالة ، لكان أمرا مفهوما ، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه ..
ويستدل لهذا القول من الكتاب بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ..).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ).
ثم قال : فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك ، ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة ، فأى تخصيص لداود ، وإنما ذلك تسبيح المقال ، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح. وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أولى (٢).
والذي تطمئن إليه النفس أن التسبيح حقيقى وبلسان المقال ، لأن هذا هو الظاهر من الآية الكريمة ، ولأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤيد ذلك.
وبعد أن أقام ـ سبحانه ـ الأدلة على وحدانيته ، وأثبت أن كل شيء يسبح بحمده ، أتبع ذلك ببيان أحوال المشركين عند سماعهم للقرآن الكريم ، وببيان ما جعله الله ـ تعالى ـ على حواسهم بسبب جحودهم وعنادهم ، فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) الآية ١٨ من سورة الحج وراجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٧٦ طبعة دار الشعب.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٢٦٦.