المصائب ، أكثر من تطلعها إلى جلب النفع ، إذ عند نزول الضر ، لا تشتغل الألسنة والقلوب إلا برجاء كشفه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن كل معبود ـ سوى الله ـ عزوجل ـ يفتقر إلى عونه ـ سبحانه ـ ، وإلى رجاء الثواب منه ، وإلى دفع العذاب عنه ، فقال ـ تعالى ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ ..) واسم الإشارة (أُولئِكَ) يعود على المعبودين من دون الله ، وهو مبتدأ ، وخبره. قوله : (يَبْتَغُونَ) وما عطف عليه من قوله : (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ).
والضمير في (يَدْعُونَ) يعود إلى المشركين ، وفي يبتغون يعود إلى المعبودين و (أَيُّهُمْ) بدل من واو الفاعل في يبتغون ، و (أَقْرَبُ) خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : هو ، أى : يبتغيها الذي هو أقرب ، والجملة صلة أى.
والوسيلة : ما يتقرب به الإنسان إلى خالقه من الأعمال الصالحة.
والمعنى : أولئك المعبودون الذين يزعم المشركون أنهم آلهة. ويسمونهم أربابا ، وينادونهم لكشف الضر عنهم ، هؤلاء المعبودون (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ).
أى : يتقربون إلى خالقهم ومالك أمرهم بصالح الأعمال ، ويبتغى أكثرهم صلاحا وطاعة لله ـ تعالى ـ الرضا منه ـ عزوجل ـ.
وإذا كان هذا شأن أكثرهم قربا فكيف يكون حال من هو أقل منه؟ لا شك أنه يكون أشد طلبا لرضا الله ـ تعالى ـ وعفوه ، وأشد حرصا على طاعته.
وقوله ـ تعالى ـ (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) زيادة بيان لشدة حرص هؤلاء المعبودين على طاعة الله ـ تعالى ـ
أى : وهم فوق ذلك يرجون رحمة الله ـ تعالى ـ وفضله ، بأن يحشرهم مع الأبرار ، ويخشون عذابه ونقمته ، ويتضرعون إليه أن يجنبهم عذاب النار ، وبالرجاء والخشية يحيا الصالحون الأخيار ، إذ الرجاء يدفع المؤمن إلى الإكثار من العمل الصالح ، والخشية تمنعه من الوقوع في المعاصي.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) تذييل قصد به التعليل لما قبله وهو خوف العذاب.