أى : ولو أنهم استفزوك وأجبروك على الخروج إجبارا ، لما لبثوا (خِلافَكَ) أى : بعد خروجك إلا زمنا قليلا ، ثم يصيبهم ما يصيبهم من الهلاك والنقم.
ومع أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد خرج من مكة مهاجرا بأمر ربه إلا أنه ـ سبحانه ـ قد مكن نبيه صلىاللهعليهوسلم وأصحابه من مشركي مكة في غزوة بدر ، فقتلوا منهم سبعين ، وأسروا نحو ذلك ، وكانت المدة بين هجرته صلىاللهعليهوسلم وبين غزوة بدر تقل عن سنتين.
وهكذا حقق الله ـ تعالى ـ وعده لنبيه صلىاللهعليهوسلم وأنزل وعيده بأعدائه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن نصرة رسله سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا ، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً).
ولفظ (سُنَّةَ) منصوب على أنه مصدر مؤكد ، أى : سن الله ما قصه عليك سنة ، وهذه السنة هي أننا لا نترك بدون عقاب أمة أخرجت رسولها من أرضه ، وقد فعلنا ذلك مع الأقوام السابقين الذين أخرجوا أنبياءهم من ديارهم ولا تجد ـ أيها الرسول الكريم ـ لسنتنا وطريقتنا تحويلا أو تبديلا ، ولو لا أننا قد منعنا عن قومك عذاب الاستئصال لوجودك فيهم ، لأهلكناهم بسبب إيذائهم لك ، وتطاولهم عليك.
قال ـ تعالى ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ...).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا جانبا من المسالك الخبيثة التي اتبعها المشركون مع النبي صلىاللهعليهوسلم كما حكت لنا ألوانا من فضل الله ـ تعالى ـ على نبيه صلىاللهعليهوسلم حيث عصمه من أى ركون إليهم ووعده بالنصر عليهم.
ثم أرشد الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم إلى ما يعينه على التغلب على كيد المشركين ، وإلى ما يزيده رفعة في الدرجة ، وبشره بأن ما معه من حق ، سيزهق ما مع أعدائه من باطل فقال ـ تعالى ـ :
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ