وأخرج ابن أبى شيبة وأبو يعلى وابن المنذر عن جابر قال : دخلنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فأمر بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأكبت على وجهها. وقال (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١).
وقال القرطبي : في هذه الآية دليل على كسر نصب المشركين ، وجميع الأوثان إذا غلب عليهم ، ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله ، وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله تعالى .. (٢).
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد أمرت المسلمين في شخص نبيهم صلىاللهعليهوسلم بالمداومة على كل ما يقربهم من الله ـ تعالى ـ ، ولا سيما الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه ، وبشرت النبي صلىاللهعليهوسلم بمنحه المقام المحمود من ربه ـ عزوجل ، وبأن ما معه من حق وصدق ، سيزهق ما مع أعدائه من باطل وكذب ، فإن سنة الله ـ تعالى ـ قد اقتضت أن تكون العاقبة للمتقين.
ثم مدح ـ سبحانه ـ القرآن الكريم الذي أنزله على قلب نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وبين أحوال الإنسان في حالتي اليسر والعسر ، والرخاء والشدة ، وأن كل إنسان يعمل في هذه الدنيا على حسب طبيعته ونيته وميوله ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤)
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٣١٤.