وعبر ـ سبحانه ـ بالأكثر ، إنصافا للقلة المؤمنة التي فتحت صدورها للقرآن ، فآمنت به ، وعملت بما فيه من أوامر ونواه ..
قال الجمل : فإن قيل : كيف جاز قوله (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) حيث وقع الاستثناء المفرغ في الإثبات. مع أنه لا يصح ، إذ لا يصح أن تقول : ضربت إلا زبدا.
فالجواب : أن لفظة (فَأَبى) تفيد النفي ، فكأنه قيل : فلم يرضوا إلا كفورا (١).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت ما يدل على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ، وعلمه ، وفضله على نبيه صلىاللهعليهوسلم وعلى الناس ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض المطالب المتعنتة التي طلبها المشركون من النبي صلىاللهعليهوسلم فقال ـ تعالى ـ :
(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً) (٩٣)
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات رواية طويلة ملخصها : أن نفرا من زعماء قريش اجتمعوا عند الكعبة ، وطلبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجاءهم ، فقالوا له يا محمد : إنا قد بعثنا
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٤٧.