(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٩٦)
قال الفخر الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما حكى شبهة القوم في اقتراح المعجزات الزائدة ، وأجاب عنها ، حكى عنهم شبهة أخرى ، وهي أن القوم استبعدوا أن يبعث الله إلى الخلق رسولا من البشر ، بل اعتقدوا أن الله ـ تعالى ـ لو أرسل رسولا إلى الخلق ، لوجب أن يكون ذلك الرسول من الملائكة ، فأجاب الله ـ تعالى ـ عن هذه الشبهة فقال : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا ...) (١).
والمراد بالناس هنا : المشركون منهم ، الذين استبعدوا واعتقدوا أن الرسول لا يكون من البشر ، ويدخل فيهم دخولا أوليا كفار مكة.
وجملة (أَنْ يُؤْمِنُوا) في محل نصب ، لأنها مفعول ثان لمنع.
وقوله : (إِلَّا أَنْ قالُوا) هو الفاعل ، و «إذ» ظرف للفعل منع ، أو لقوله : (أَنْ يُؤْمِنُوا).
والمعنى : وما صرف المشركين عن الإيمان بالدين الحق وقت أن جاءتهم به الرسل ، إلا اعتقاد هؤلاء المشركين أن الله ـ تعالى ـ لا يبعث إليهم رجلا من البشر لكي يبلغهم وحيه ، وإنما يبعث إليهم ملكا من الملائكة لكي يبلغهم ذلك.
وعبر عن اعتقادهم الباطل هذا بالقول فقال : (إِلَّا أَنْ قالُوا ..) للإشعار بأنه مجرد قول لاكته ألسنتهم ، دون أن يكون معهم أى مستند يستندون إليه لإثبات قبوله عند العقلاء.
وجاء التعبير عن اعتقادهم الباطل هذا بصيغة الحصر ، لبيان أنه مع بطلانه ـ هو من أهم
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٢١ ص ٥٨.