حالان من الكتاب ويصح أن يكون قوله (قَيِّماً) منصوبا بفعل محذوف أى : جعله قيما.
والمعنى : الحمد الكامل ، والثناء الدائم ، لله ـ تعالى ـ وحده ، الذي أنزل على عبده محمد صلىاللهعليهوسلم القرآن الكريم ، ولم يجعل فيه شيئا من العوج أو الاختلاف أو التناقض ، لا في لفظه ، ولا في معناه ، وإنما جعله في أسمى درجات الاستقامة والإحكام.
وإنما أمر الله ـ تعالى ـ الناس بأن يحمدوه لإنزال الكتاب على عبده محمد صلىاللهعليهوسلم لأن في هذا الكتاب من الهدايات ما يخرجهم من الظلمات إلى النور ، وما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم.
وفي التعبير عن الرسول صلىاللهعليهوسلم بالعبد ، مضافا إلى ضميره ـ تعالى ـ ، تعظيم وتشريف له صلىاللهعليهوسلم وإشعار بأنه مهما سمت منزلته ، وعلت مكانته «فهو عبد الله ـ تعالى ـ ، وأن الذين عبدوا أو أشركوا مع الله ـ تعالى ـ بعض مخلوقاته ، قد ضلوا ضلالا بعيدا.
والتعبير عن القرآن الكريم بالكتاب ، إشارة إلى كماله وشهرته ، أى : أنزل ـ سبحانه ـ على عبده محمد صلىاللهعليهوسلم الكتاب الكامل في بابه ، الغنى عن التعريف ، الحقيق باختصاص هذا الاسم به ، المعروف بهذا الاسم من بين سائر الكتب.
والمراد به إما جميع القرآن الكريم سواء منه ما نزل فعلا وما هو مترقب النزول ، وإما ما نزل منه فقط حتى نزول هذه الآية فيكون من باب التعبير عن البعض بالكل تحقيقا للنزول للجميع.
وجاء لفظ «عوجا» بصيغة التنكير ، ليشمل النهى جميع أنواع الميل والعوج ، إذ النكرة في سياق النفي تعم ، أى : لم يجعل له ـ سبحانه ـ أى شيء من العوج. وقوله : (قَيِّماً) تأكيد في المعنى لقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) لأنه قد يكون الشيء مستقيما في الظاهر ، إلا أنه لا يخلو عن اعوجاج في حقيقة الأمر ، ولذا جمع ـ سبحانه ـ بين نفى العوج ، وإثبات الاستقامة.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما فائدة الجمع بين نفى العوج وإثبات الاستقامة ، وفي أحدهما غنى عن الآخر؟
قلت : فائدته التأكيد ، فرب مستقيم مشهود له بالاستقامة ، ولا يخلو من أدنى عوج عند السبر والتصفح ، وقيل : قيما على سائر الكتب ، مصدقا لها ، شاهدا بصحتها ، وقيل : قيما بمصالح العباد وما لا بد لهم منه من الشرائع (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٧٢.