مأوى ومستقرا لكم ، ينشر لكم ربكم الكثير من الخير بفضله ورحمته ، ويهيئ لكم بدلا من أمركم الصعب. أمرا آخر فيه اليسر والنفع.
وفي التعبير بقولهم ـ كما حكى القرآن عنهم .. (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ..) دلالة واضحة على صدق إيمانهم وحسن ظنهم الذي لا حدود له ، بربهم ـ عزوجل ـ فهم عند ما فارقوا أهليهم وأموالهم وزينة الحياة ، وقرروا اللجوء إلى الكهف الضيق الخشن المظلم .. لم ييأسوا من رحمة الله ، بل أيقنوا أن الله ـ تعالى ـ سيرزقهم فيه الخير الوفير ، وييسر لهم ما ينتفعون به ، ببركة إخلاصهم وصدق إيمانهم.
وهكذا الإيمان الصادق ، يجعل صاحبه يفضل المكان الخالي من زينة الحياة ، من أجل سلامة عقيدته ، على المكان المليء باللين والرخاء الذي يحس فيه بالخوف على عقيدته.
فالآية الكريمة تدل على أن اعتزال الكفر والكافرين من أجل حماية الدين ، يؤدى إلى الظفر برحمة الله وفضله وعطائه العميم وصدق الله إذ يقول في شأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا. فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (١).
ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال هؤلاء الفتية بعد أن استقروا في الكهف وبعد أن ألقى الله ـ تعالى ـ عليهم بالنوم الطويل فتقول :
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ
__________________
(١) سورة مريم الآيات ٤٨ ـ ٥٠.