ونراهم في تناجيهم ـ بعد أن تركوا الحديث عن المدة التي لبثوها في نومهم ـ نراهم حذرين خائفين ، ولا يدرون أن الأعوام قد كرت. وأن عجلة الزمن قد دارت ، وأن أجيالا قد تعاقبت ، وأن مدينتهم التي يعرفونها قد تغيرت معالمها. وأن أعداءهم الكافرين قد زالت دولتهم.
ثم تمضى السورة الكريمة لتحدثنا عن مشهد آخر من أحوال هؤلاء الفتية. مشهد تتجلّى فيه قدرة الله ـ تعالى ـ على أبلغ وجه ، كما تتجلى فيه حكمته ووحدانيته ، استمع إلى القرآن الكريم وهو يحدثنا عن ذلك فيقول :
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (٢١)
فقوله ـ سبحانه ـ : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) بيان للحكمة التي من أجلها أطلع الله ـ تعالى ـ الناس على هؤلاء الفتية.
قال الآلوسى ما ملخصه : وأصل العثور السقوط للوجه ، يقال : عثر عثورا وعثارا إذا سقط لوجهه ، ومنه قولهم في المثل : الجواد لا يكاد يعثر. ثم تجوز به في الاطلاع على أمر من غير طلبه.
وقال بعضهم : لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثرته ، ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان ، فهو في ذلك مجاز مشهور بعلاقة السببية.
ومفعول «أعثرنا» محذوف لقصد العموم ، أى : وكذلك أطلعنا الناس عليهم ، (١).
والمعنى : وكما أنمناهم تلك المدة الطويلة ، وبعثناهم هذا البعث الخاص ، أطلعنا الناس
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٢٣٢.