والاستفتاء : طلب الفتيا من الغير. والفاء في قوله (فَلا تُمارِ) للتفريع.
أى : إذا كان الشأن كما أخبرناك عن حال أصحاب الكهف ، فلا تجادل في أمرهم أحدا من الخائضين فيه إلا جدالا واضحا لا يتجاوز حدود ما قصصناه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ ولا تطلب الفتيا في شأنهم من أحد ، لأن ما قصصناه عليك من خبرهم ، يغنيك عن السؤال. وعن طلب الإيضاح من أهل الكتاب أو من غيرهم.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم عن الإخبار عن فعل شيء في المستقبل إلا بعد تقديم مشيئة الله ـ عزوجل ـ فقال :
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤)
قال القرطبي : قال العلماء : عاتب الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين : غدا أخبركم بجواب أسئلتكم ، ولم يستثن في ذلك.
فاحتبس الوحى عنه خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه ، وأرجف الكفار به ، فنزلت عليه هذه السورة مفرّجة. وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور إنى أفعل غدا كذا وكذا ، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله ـ عزوجل ـ حتى لا يكون محققا لحكم الخبر ، فإنه إذا قال : لأفعلن ذلك ولم يفعل : كان كاذبا ، وإذا قال ، لأفعلن ذلك ـ إن شاء الله ـ خرج عن أن يكون محققا للمخبر عنه (١).
والمراد بالغد : ما يستقبل من الزمان ، ويدخل فيه اليوم الذي يلي اليوم الذي أنت فيه دخولا أوليا. وعبر عما يستقبل من الزمان بالغد للتأكيد.
أى : ولا تقولن ـ أيها الرسول الكريم ـ لأجل شيء تعزم على فعله في المستقبل : إنى فاعل ذلك الشيء غدا ، إلا وأنت مقرن قولك هذا بمشيئة الله ـ تعالى ـ وإذنه ، بأن تقول :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٣٨٥.