وهكذا الإيمان الحق ، يجعل المؤمن يعتز بعقيدته ، ويتجه إلى الله وحده الذي تعنو له الجباه ، ويرجو منه وحده ما هو خير من بساتين الدنيا وزينتها.
ثم يختتم ـ سبحانه ـ هذه القصة ببيان العاقبة السيئة التي حلت بذلك الرجل الجاحد المغرور صاحب الجنتين فيقول.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (٤٤)
أى : وكانت نتيجة جحود صاحب الجنتين لنعم ربه ، أن أهلكت أمواله وأبيدت كلها. فصار يقلب كفيه ظهرا لبطن أسفا وندما ، على ما أنفق في عمارتها وتزيينها من أموال كثيرة ضاعت هباء ، ومن جهد كبير ذهب سدى.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) معطوف على مقدر محذوف لدلالة السباق والسياق عليه.
وأصل الإحاطة مأخوذة من إحاطة العدو بعدوه من جميع جوانبه لإهلاكه واستئصاله.
والمعنى : فحدث ما توقعه الرجل الصالح من إرسال الحسبان على بستان صاحبه الجاحد المغرور «وأحيط بثمره» بأن هلكت أمواله وثماره كلها.
وجاء الفعل «أحيط» مبنيا للمجهول ، للإشعار بأن فاعله متيقن وهو العذاب الذي أرسله الله ـ تعالى ـ أى : وأحاط العذاب بجنته.
وقوله : (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) تصوير بديع لما اعتراه من غم وهم وحسرة وندامة. وتقليب اليدين عبارة عن ضرب إحداهما على الأخرى ، أو أن يبدي ظهرهما ثم بطنهما ويفعل ذلك مرارا ، وأيّا ما كان ففعله هذا كناية عن الحسرة الشديدة ، والندم العظيم.