ثم بين ـ تعالى ـ وظيفة الرسل فقال : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ).
أى : تلك هي وظيفة الرسل الكرام الذين نرسلهم لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
فهم يبشرون المؤمنين بحسن العاقبة وجزيل الثواب ، وينذرون الفاسقين والكافرين بسوء العاقبة ، وشديد العقاب.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) بيان لموقف الكافرين من الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
ويجادل من المجادلة بمعنى المخاصمة والمنازعة. ومفعوله محذوف.
والباطل : هو الشيء الزائل المضمحل الذي هو ضد الحق والعدل. والحق هو الشيء الثابت القويم الذي تؤيده شريعة الله ـ عزوجل ـ.
والدحض : الطين الذي لا تستقر عليه الأقدام. فمعنى يدحضوا : يزيلوا ويبطلوا تقول العرب : دحضت رجل فلان ، إذا زلت وزلقت .. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
والمعنى : ويجادل الذين كفروا رسلهم بالجدال الباطل ، ليزيلوا به الحق الذي جاء به هؤلاء الرسل ويدحضوه ويبطلوه ، والله ـ تعالى ـ متم نوره ولو كره الكافرون ، فإن الباطل مهما طال فإن مصيره إلى الاضمحلال والزوال.
وقوله ـ تعالى ـ (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) معطوف على ما قبله لبيان رذيلة أخرى من رذائل هؤلاء الكافرين.
والمراد بآيات الله : تلك المعجزات التي أيد الله ـ تعالى ـ بها رسله سواء أكانت قولا أم فعلا ، ويدخل فيها القرآن دخولا أوليا.
أى : أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بجدال رسلهم بالباطل ، بل أضافوا إلى ذلك أنهم اتخذوا الآيات التي جاء بها الرسل كدليل على صدقهم ، واتخذوا ما أنذروهم به من قوارع إذا ما استمروا على كفرهم. اتخذوا كل ذلك «هزوا» أى : اتخذوها محل سخريتهم ولعبهم ولهوهم واستخفافهم ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً).
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة المعرضين عن التذكير وعن آيات الله فقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ).