والاستفهام هنا للنفي والإنكار والمراد بالآيات آيات القرآن الكريم. لقوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (أَنْ يَفْقَهُوهُ).
والمراد بالنسيان : الترك والإهمال وعدم التفكر والتدبر في العواقب.
أى : ولا أحد أشد ظلما وبغيا. من إنسان ذكره مذكر ووعظه بآيات الله التي أنزلها على رسوله صلىاللهعليهوسلم فأعرض عنها دون أن يقبلها أو يتأملها. بل نبذها وراء ظهره ، ونسى ما قدمت يداه من السيئات والمعاصي ، نسيان ترك وإهمال واستخفاف.
ثم بين ـ سبحانه ـ علة هذا الإعراض والنسيان فقال : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ، وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً).
والأكنة : جمع كنان بمعنى غطاء والوقر الثقل والصمم. يقال فلان وقرت أذنه ، أى : ثقل سمعها وأصيبت بالصمم.
أى : إنا جعلنا على قلوب هؤلاء الظالمين المعرضين عن الحق ، أغطية تمنع قلوبهم عن وصول النور إليها ، وتحجبها عن فقه آياته ـ سبحانه ـ وجعلنا ـ أيضا ـ في آذانهم صمما وثقلا عن سماع ما ينفعهم وذلك يسبب استحبابهم العمى على الهدى ، وإيثارهم الكفر على الإيمان.
(وَإِنْ تَدْعُهُمْ) أيها الرسول الكريم (إِلَى الْهُدى) والرشد فلن ، يستجيبوا لك ، ولن (يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) إلى الحق وإلى الصراط المستقيم ، بسبب زيغ قلوبهم ، واستيلاء الكفر والجحود والعناد عليها.
والضمير في قوله (أَنْ يَفْقَهُوهُ) يعود إلى الآيات ، وتذكيره وإفراده باعتبار المعنى ، إذ المراد منها القرآن الكريم.
وجاءت الضمائر في أول الآية بالإفراد ، كما في قوله ، (ذُكِّرَ) و (فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) باعتبار لفظ «من» في قوله «ومن أظلم» وجاءت بعد ذلك بالجمع كما في قوله سبحانه ـ : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ..) باعتبار المعنى.
وهذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً).
فالضمير في قوله : «يؤمن ويعمل ويدخله» جاء بصيغة الإفراد باعتبار لفظ «من» ، وفي قوله : (خالِدِينَ فِيها) جاء بصيغة الجمع باعتبار معنى «من».
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يدل على سعة رحمته ، وعظيم فضله فقال : (وَرَبُّكَ