الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً).
أى : وربك ـ أيها الرسول الكريم ـ هو صاحب المغفرة الكثيرة ، وصاحب الرحمة التي وسعت كل شيء. لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب والمعاصي ، لعجل لهم العذاب بسبب ما يرتكبونه من كفر وآثام ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يعجل لهم العذاب رحمة منه وحلما.
وجملة «بل لهم موعد ..» معطوفه على مقدر ، فكأنه ـ سبحانه ـ قال : لكنه ـ سبحانه ـ لم يؤاخذهم ، بل جعل وقتا معينا لعذابهم ، لن يجدوا من دون هذا العذاب موئلا.
أى ملجأ يلتجئون إليه ، أو مكانا يعتصمون به.
فالموئل : اسم مكان. يقال : وأل فلان إلى مكان كذا يئل وألا .. إذا لجأ إليه ليعتصم به من ضر متوقع.
فالآية الكريمة تبين أن الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه لا يعاجل الناس. بالعقاب ، ولكنه ـ عزوجل ـ ليس غافلا عن أعمالهم ، بل يؤخرهم إلى الوقت الذي تقتضيه حكمته ، لكي يعاقبهم على ما ارتكبوه من ذنوب وآثام.
وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ، منها قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٢) ثم بين ـ سبحانه ـ سننه في الأمم الماضية فقال : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً).
واسم الإشارة «تلك» تعود إلى القرى المهلكة بسبب كفرها وفسوقها عن أمر ربها ، كقرى قوم نوح وهود وصالح ـ عليهمالسلام ـ.
والقرى : جمع قرية والمراد بها أهلها الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والجحود.
أى : وتلك القرى الماضية التي أصر أهلها على الكفر والفسوق والعصيان أهلكناهم بعذاب الاستئصال في الدنيا ، بسبب هذا الكفر والظلم ، وجعلنا لوقت هلاكهم موعدا لا يتأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٤٥.
(٢) سورة الرعد الآية ٦.