ولفظ «تلك» مبتدأ ، والقرى صفة له أو عطف بيان ، وجملة (أَهْلَكْناهُمْ) هي الخبر.
وقوله (لَمَّا ظَلَمُوا) بيان للأسباب التي أدت بهم إلى الهلاك والدمار ، أى : أهلكناهم بسبب وقوع الظلم منهم واستمرارهم عليه.
وجيء باسم الإشارة «تلك» للإشعار بإن أهل مكة يمرون على تلك القرى الظالمة المهلكة ، ويعرفون أماكنهم معرفة واضحة عند أسفارهم من مكة إلى بلاد الشام. قال ـ تعالى ـ (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١).
وقوله : (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) قرأ الجمهور ، لمهلكهم ، ـ بضم الميم وفتح اللام ـ على صيغة اسم المفعول ، وهو محتمل أن يكون مصدرا ميميا. أى : وجعلنا لإهلاكهم موعدا. ويحتمل أن يكون اسم زمان ، أى : وجعلنا لزمان إهلاكهم موعدا.
وقرأ حفص عن عاصم «لمهلكهم» بفتح الميم وكسر اللام ـ فيكون اسم زمان ، وقرأ شعبة عن عاصم. لمهلكهم» ـ بفتح الميم واللام ـ فيكون مصدرا ميميا.
وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد وضحت أن القرآن الكريم قد نوع الله ـ تعالى ـ فيه الأمثال لقوم يعقلون ، كما بينت أن الإنسان مجبول على المجادلة والمخاصمة. وأن المشركين قد أصروا على شركهم بسبب انطماس بصائرهم. وزيغهم عن الحق ، وأن الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وظيفتهم البلاغ والتبشير والإنذار ، وأن عاقبة الجاحدين الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم هي النار وبئس القرار ، وأن الله ـ تعالى ـ يمهل الظالمين ولا يهملهم ، فهو كما قال ـ سبحانه ـ (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (٢).
* * *
ثم ساق ـ سبحانه ـ قصة فيها ما فيها من الأحكام والعظات ، ألا وهي قصة موسى ـ عليهالسلام ـ مع عبد من عباد الله الصالحين ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا
__________________
(١) سورة الصافات الآيتان ١٣٧ ، ١٣٨.
(٢) سورة الحجر الآيتان ٤٩ ، ٥٠.