ويرى بعضهم أن موسى ـ عليهالسلام ـ صرف فتاه بعد أن التقى بالخضر.
أخرج الشيخان عن ابن عباس : أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول : أى أجر ، (١).
وقوله : (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) بيان لما فعله الخضر بالسفينة.
أى : فانطلقا يبحثان عن سفينة ، فلما وجداها واستقرا فيها ، ما كان من الخضر إلا أن خرقها. قيل : بأن قلع لوحا من ألواحها.
وهنا ما كان من موسى إلا أن قال له على سبيل الاستنكار والتعجب مما فعله : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها ..). أى : أفعلت ما فعلت لتكون عاقبة الراكبين فيها الغرق والموت بهذه الصورة المؤلمة؟
(لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) ، والإمر : الداهية. وأصله كل شيء شديد كبير ، ومنه قولهم : إن القوم قد أمروا. أى : كثروا واشتد شأنهم. ويقال : هذا أمر إمر ، أى : منكر غريب.
أى : قال موسى للخضر بعد خرقه للسفينة : لقد جئت شيئا عظيما ، وارتكبت أمرا بالغا في الشناعة. حيث عرضت ركاب السفينة لخطر الغرق.
وهنا أجابه الخضر بقوله : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) أى : ألم أقل لك سابقا إنك لن تسطيع مصاحبتي ، ولا قدرة لك على السكوت على تصرفاتي التي لا تعرف الحكمة من ورائها؟
ولكن موسى ـ عليهالسلام ـ رد معتذرا لما فرط منه وقال : (لا تُؤاخِذْنِي) أيها العبد الصالح ، بما نسيت ، أى : بسبب نسياني لوصيتك في ترك السؤال والاعتراض حتى يكون لي منك البيان. (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) أى : ولا تكلفني من أمرى مشقة في صحبتي إياك.
يقال : أرهق فلان فلانا. إذا أتعبه وأثقل عليه وحمله مالا يطيقه.
والمراد : التمس لي عذرا بسبب النسيان ، ولا تضيق على الأمر ، فإن في هذا التضييق ما يحول بيني وبين الانتفاع بعلمك.
وكأن موسى ـ عليهالسلام ـ الذي اعتزم الصبر وقدم المشيئة ، ورضى بشروط الخضر في
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٣٣٥.