وفي هذه المرة لا يكتفى الخضر بقوله : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ ..) بل يضيف لفظ لك ، زيادة في التحديد والتعيين والتذكير.
أى : ألم أقل لك أنت يا موسى لا لغيرك على سبيل التأكيد والتوثيق : إنك لن تستطيع معى صبرا ، لأنك لم تحط علما بما أفعله.
ويراجع موسى نفسه. فيجد أنه قد خالف ما اتفق عليه مع الرجل الصالح مرتين ، فيبادر بإخبار صاحبه أن يترك له فرصة أخيرة فيقول : (إِنْ سَأَلْتُكَ) أيها الصديق (عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) أى : بعد هذه المرة الثانية (فَلا تُصاحِبْنِي) أى : فلا تجعلني صاحبا أو رفيقا لك ، فإنك (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) أى : فإنك قد بلغت الغاية التي تكون معذورا بعدها في فراقي ، لأنى أكون قد خالفتك مرارا.
وهذا الكلام من موسى ـ عليهالسلام ـ يدلك على اعتذاره الشديد للخضر ، وعلى شدة ندمه على ما فرط منه ، وعلى الاعتراف له بخطئه.
قال القرطبي : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال يوما : «رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو صبر على صاحبه لرأى العجب ، ولكنه قال : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي ..) (١).
ثم تسوق لنا السورة الكريمة الحادث الثالث والأخير في تلك القصة الزاخرة بالمفاجآت والعجائب فنقول :
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٧٨)
أى : فانطلق موسى والخضر ـ عليهماالسلام ـ يتابعان سيرهما. حتى إذا أتيا أهل قرية قيل هي «أنطاكيه» ، وقيل : هي قرية بأرض الروم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٣.