(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٧٩)
أى قال الخضر لموسى : (أَمَّا السَّفِينَةُ) التي خرقتها ولم ترض عنه ، (فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) أى : لضعفاء من الناس لا يستطيعون دفع الظلم عنهم ، ولم يكن لهم مال يتعيشون منه سواها ، فكان الناس يركبون فيها ويدفعون لهؤلاء المساكين الأجر الذين ينتفعون به.
(فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أى : أن أجعلها ذات عيب بالخرق الذي خرقتها فيه ، ولم أرد أن أغرق أهلها كما ظننت يا موسى ، والسبب في ذلك : أنه (كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) ، ظالم ، من دأبه أن يتعقب السفن الصالحة الصحيحة ، ويستولى عليها ، ويأخذها اغتصابا وقسرا من أصحابها.
فهذا العيب الذي أحدثته في السفينة. كان سببا في نجاتها من يد الملك الظالم ، وكان سببا في بقائها في أيدى أصحابها المساكين.
فالضرر الكبير الذي أحدثته بها ، كان دفعا لضرر أكبر كان ينتظر أصحابها المساكين لو بقيت سليمة.
ويرى بعضهم أن المراد بالوراء الأمام. ويرى آخرون أن المراد به الخلف. وقال الزجاج : وراء : يكون للخلف والأمام. ومعناه : ما توارى عنك واستتر.
وظاهر قوله ـ تعالى ـ : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) ، يفيد أن هذا الملك كان يأخذ كل سفينة سواء أكانت صحيحة أم معيبة ، ولكن هذا الظاهر غير مراد. وإنما المراد : يأخذ كل سفينة سليمة. بدليل : فأردت أن أعيبها ، أى : لكي لا يأخذها ، ومن هنا قالوا : إن لفظ «سفينة» هنا موصوف لصفة محذوفة. أى : يأخذ كل سفينة صحيحة.
و «غصبا» ، منصوب على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ. والغصب ـ من باب ضرب ـ : أخذ الشيء ظلما وقهرا.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما رد به الخضر على موسى في اعتراضه على الحادثة الثانية فقال ـ تعالى ـ :