غير خوف ولا احتياج إليها ، بل بطرا وعبثا ، كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر ، الذي مر به رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو ذاهب إلى تبوك فقنع رأسه ـ أى غطاها بثوبه ـ وأسرع دابته ، وقال لأصحابه : «لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم» (١).
ولكن ماذا كانت نتيجة هذه القوة الغاشمة ، والثراء الذي ليس معه شكر لله ـ تعالى ـ والإصرار على الكفر والتكذيب لرسل الله ـ تعالى ـ ، والإعراض عن الحق ...؟
لقد بين القرآن عاقبة ذلك فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ. فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
أى : فكانت نتيجة تكذيب أصحاب الحجر لرسولهم صالح ـ عليهالسلام ـ أن أهلكهم الله ـ تعالى ـ وهم داخلون في وقت الصباح ، عن طريق الصيحة الهائلة ، التي جعلتهم في ديارهم جاثمين ، دون أن يغنى عنهم شيئا ما كانوا يكسبونه من جمع الأموال ، وما كانوا يصنعونه من نحت البيوت في الجبال.
وهكذا نرى أن كل وقاية ضائعة ، وكل أمان ذاهب ، وكل تحصن زائل أمام عذاب الله المسلط على أعدائه المجرمين.
وهكذا تنتهي تلك الحلقات المتصلة من قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم والتي تتفق جميعها في بيان سنة من سنن الله ـ تعالى ـ في خلقه ، وهي أن النجاة والسعادة والنصر للمؤمنين ، والهلاك والشقاء والهزيمة للمكذبين.
ثم ختمت السورة الكريمة ببيان كمال قدرة الله ـ تعالى ـ ، وببيان جانب من النعم التي منحها ـ سبحانه ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، وبتهديد المشركين الذين جعلوا القرآن عضين ، والذين جعلوا مع الله إلها آخر ، وبتسليته صلىاللهعليهوسلم عما لحقه منهم من أذى ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٦٣.