الرّوحي الحدود والتّعزيرات والعُقوبات كوسيلةٍ ، ودواءٍ رادعٍ ، عن الأعمال المنافيَة للأخلاق ، وهي بِمنزلة إجراء العمليّة الجراحيّة في الطّب المادي.
وكما نرى في الطّب المادي ، أنّه جعل العلاج في مرحلتين ، مرحلة الوقاية : وهي المحافظة على الصّحة البدنيّة ، والثّانية : مرحلة العلاج للمريض ، فكذلك في الطّب الرّوحي والأخلاقي ، يمرّ بمرحلتين : مرحلة الإرشاد والتعليم من قبل معلمي الأخلاق ، للمحافظة على نفوس الناس من التلّوث بالرذائل ، والثّانية : مرحلة العلاج للمذنبين الملوّثين بالرّذائل.
وما جاء في الخطبة (١٠٨) من نهج البلاغة ، في وصف الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ومعالجاته بالمراهم والكيّ للجروح ، يبيّن مدى التّنوع في الطّب الرّوحي ، كما هو الحال في الطّب المادي.
ففي الطّب المادي (الجسماني) ، توجد مجموعة إرشاداتٍ وأوامر كليّة لعلاج الأمراض ، وقسمٌ من الأوامر التي تخص كلّ مرض بذاته ، فكذلك الطّب الرّوحي ، فالتّوبة وذكر الله والعبادات الاخرى ، والمحاسبة والمراقبة للنفس ، هي اصولٌ كليّةٌ للعلاج ، وكلّ مرضٍ أخلاقي ، نجد الأوامر والإرشادات الخاصة به ، مذكورةٌ في الكتب الإسلاميّة والأخلاقيّة.
النظريّة الثالثة : نظريّة السّير والسّلوك
وقد شبّه الإنسان في هذه النظريّة ، بمسافر إنطلق من نقطةِ العدم ، إلى لقاء الله تعالى ، ويتحرك في سلوكه بهدف لقاء الله ، والقرب من الذّات المقدّسة اللّامتناهية.
ففي هذا السّفر ، وكما هو الحال بالنسبة لأسفارنا الماديّة ، يجب تحضير المركب والمتاع ، وإزالة الموانع التي تقف في الطّريق ، والتّفكير في كيفية التّصدي للّصوص وقطاع الطّريق والأعداء ، للمحافظة على المال والأرواح ، فهذا السّفر الرّوحاني والمعنوي ، فيه منازل وطرق ملتوية وصعبة العبور ، ومطبّاتٌ خطرةٌ ، ولا يمكن العبور منه بسلامة ، إلّا بمعونة الدليل المطّلع والعارف بالطّريق ، والعُبور منها واحداً بعد واحدٍ حتّى الوصول إلى محطّ الرّحال ومنزل المقصود.
ويصرّ البعض أنّ السّير والسّلوك إلى الله تعالى ، ومعرفته ومنازله ، وزاده وأدلّائه ، و