وإن نظرنا «للآية الرابعة» : من بحثنا هذا ، وتقديمها لكلمة التّعليم على التّزكية ، فهي ناظرةٌ إلى المسألة من حيث الترتب العملي الطبيعي لها ، بإعتبار أنّ التّعليم مقدمةٌ «للتربية والتّزكية».
ولهذا نرى أنّ الآيات الأربع الاولى ، كلّ منها تنظر إلى المسألة من منظارها الخاص.
وليس بعيداً إحتمال رأيٌ آخر ، من التّفسير في الآيات المباركة الأربع ، وهو أنّ الغرض ، من التّقديم والتّأخير الحاصل لهذين الكلمتين : (التّربية والتعليم) ، بإعتبار أنّ إحداها تؤثّر في الاخرى ، يعني كما أنّ التعليم الصّحيح يكون سبباً في الصّعود بالأخلاق ، وتزكية النّفوس ، تكون تزكية النفوس هي الاخرى مؤثّرة في رفع المستوى العلمي ، لأنّ الإنسان بوصوله للحقيقة العلميّة ، يكون قد تطهر من «العناد» و «الكِبر» و «التّعصب الأعمى» ، حيث تكون الأخيرة مانع من التّقدم العلمي ، ومعها سوف يُران على قلبه على حد تعبير القرآن الكريم ، ولن يرى الحقيقة كما هي في الواقع.
ويمكن الإشارة الى نكات اخرَى في الآيات الكريمة الأربعُ :
الآية الاولى : تشير إلى أنّ بعث رسول يُعلِّم الأخلاق ، هي من علامات حضور الباري تعالى في واقع الإنسان لتفعيل عناصر الخير في وجدانه ، وأنَّ النقطة المعاكسة (للتربية والتعليم) هي الضّلال المبين ، فهي تبين مدى إهتمام القرآن الكريم بالسلوك الأخلاقي للإنسان في حركة الحياة.
الآية الثّانية : نجد فيها أن إرسال رسول يُزكيهم ويُعلّمهم الكتاب والحكمة ، هي من المنن والمواهب الإلهيّة العظيمة ، التي منّ الله بها علينا ، وهي دليل آخر على أهميّة الأخلاق.
الآية الثّالثة : وهي الآية التي نزلت بعد آيات تغيير القبلة ، من القدس الشّريف إلى الكعبة المشرّفة ، حيث عُدَّ هذا التغيير من النّعم الإلهيّة الكبرى ، وأنّ هذه النعمة هي كإرسال الرسول للتعليم والتّزكية وتعليم الإنسان اموراً لم يكن يعلمها ولن يتمكن من الوصول إليها إلّا عن طريق الوحي الإلهي (١).
__________________
١ ـ ففي جملة : «ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون» ، إشارةً إلى أنّ الوصول إلى هذا العلم ، لا يمكن الّا بالوَحي.