القلوب فترتوي منه القلوب الطاهرة ، وتنبتُ ورود المعرفة وفواكه التّقوى والطّاعة اللّذيذة ، ولكن القلوب السّوداء والملوثة ، لا تتأثر به من موقع الإستفادة في حركة الحياة ، وعند ما نرى أنّ ردود الفعل ، قبال دعوات الأنبياء ، وتعاليم الوحي ليست متساوية عند الجميع ، فهذا لا يدلّ على وجود النقص والخلل في فاعليّة الفاعل ، بل أنّ الإشكال إنّما هو في قابليّة القابل (١).
والأمر الآخر أنّ الغرض من بيان هذا المثال ، هو أن يكون طلب الفضائل والمحاسن من محلّها المناسب ، لأنّ السّعي في المحل غير المناسب ليس هو إلّا إهدار وتضييع للطاقات (٢).
الإحتمال الثالث ، في تفسير هذه الآية ويمكن الإستفادة منه هنا ، هو أنّ في هذا المثال شبّه الإنسان بالنبات ، ولكن الأرض التي تنبت فيها النباتات إمّا حلوة أو سبخة ، ممّا تنعكس تأثيراته على النّبات أيضاً ، وفي المحيط الملّوث ، لا يمكن تربية الإنسان في إطار التعاليم الإلهيّة والقيم الأخلاقيّة ، مهما كانت التعليمات وأساليب التربية قويّةٌ ومؤثرةٌ ، فكما أنّ قطرات المطر المُوجبة لبعث الحياة للأرض ، لا يمكن أن تؤثر في الأرض السّبخة ، فكذلك الحال في عناصر التربية في المحيط الملّوث ، وبناءً عليه ، يجب علينا أن نهتم بإصلاح المحيط الإجتماعي ، والثّقافي ، الذي نعيشه ونتفاعل معه دائماً ، للتوصل إلى تهذيب النفوس ، وتحكيم الأخلاق الصالحة ، في واقع الإنسان والحياة.
وبالطّبع لا يوجد تقاطع بين التفسيرات الثلاثة المتقدّمة ، والمثال الآنف الذّكر ، يمكن أن يكون ناظراً لهذه التفسيرات الثّلاثة على السّواء.
نعم ، فإنّ المحيط الإجتماعي الملّوث بالرذيلة ، هو عدوّ للفضائل الأخلاقيّة ، والحال أنّ المحيط السّالم والطّاهر ، يهيىء أحسن وأفضل الفرص ، لغرض تهذيب النّفوس ، في معارج الكمال الرّوحي والمعنوي.
وقد ورد في الحديث المعروف عن الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآله مُخاطباً أصحابه :
«إِيّاكُم وَخَضراءِ الدِّمَنِ» ، قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ خَضراءُ الدِّمَنِ قال صلىاللهعليهوآله : «المَرأةُ
__________________
١ ـ هذا التفسير جاء به الفخر الرازي ، وأتى به بعنوان الإحتمال الأول في معنى الآية ، : (تفسير الفخر الرازي ، ج ١٤ ، ص ١١٤) ونقله جماعَة اخرى عن إبن عباس
٢ ـ جاء هذا التفسير في مجمع البيان ، في تفسيره لسورة الحديد في ذيل الآية الآنفة الذكر.