الشّيطان الرجيم ، وكانت تتمنى دائماً أن يكون من خُدّام بيت الله ، بل نذرت أن يكون وليدها كذلك.
فتقول الآية الكريمة : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً).
تشبيه الإنسان الطّاهر بالنبات الحَسن ، هو في الحقيقة إشارةٌ إلى أنّ الإنسان كالنبات ، يجب ملاحظته ملاحظةً دقيقةً ، فالنبات ولأجل أن ينبت نباتاً حسناً مثمراً ، يجب في بادىء الأمر الإستفادة من البذور الصّالحة ، والإعتناء به من قبل الفلّاح في كل مراحل رشده ، إلى أن يصبح شجرةً مثمرةً ، فكذلك الطفل في عَمليّة التربية ، حيث ينبغي التّعامل معه من منطلق الرّعاية والعناية ، وتربيته تربيةً صحيحةً ، لأنّ عامل الوراثة يؤثر في نفسه وروحه ، والاسرة التي يعيش فيها ، وكذلك البيئة والمحيط الذي يَتعايش معه ، كلّها تمثل عناصر ضاغطة في واقعه النّفساني والمزاجي.
والجدير بالذّكر ، أنّ الله سبحانه جاء بجملة : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) في ذيل الآية ، وهي الكفالة لمريم عليهاالسلام (١) ، ومعلوم حال من يتربى على يد نبيٍّ من أنبياء الله تعالى ، بل الله تعالى هو الذي إختاره لكفالتها ورعايتها.
فلا غرابة والحال هذه ، أن تصل مريم عليهاالسلام لدرجاتٍ ساميةٍ ، من الإيمان والتّقوى ، والأخلاق والتربية ، ففي ذيل هذه الآية ، يقول القرآن الكريم :
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
نعم فإنّ التربية الإلهيّة : تُثمر الأخلاق الإلهيّة ، والرزق من الله في طريق التّكامل المعنوي للإنسان.
وقد ورد في «الآية الثالثة» : مقدّمةٌ لقضية مريم عليهاالسلام ، وكفالة زكريّا عليهالسلام لها ، وفيها الكلام عن تأثير العامل الوراثي ، وعامل التربية في تكريس الطهارة والتقوى والفضيلة ، في مضمون
__________________
١ ـ يجب التنويه إلى أنّ «كفل» ، إذا قُرىء بدون التّشديد ، يعنى : التّعهد بالإدارة والكفالة ، وا ذا قُرىء بالتّشديد بمعنى : إختيار الكفيل لآخر ، وبناءً على ذلك فإنّ الله تعالى إختار زكريّا عليهالسلام لتربية مريم عليهاالسلام ، «وكفّل» : أخذ مفعولين ، أحدهما : (هاء) ، يعود إلى مريم عليهاالسلام ، والآخر إلى : زكريا عليهالسلام.