الإنسان ومحتواه الداخلي ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فالذرّية التي بعضها من بعضٍ ، إشارة لعامل الوراثة أو التربية الاسريّة ، أو كلاهما وهو شاهد حيٌّ يؤيد مُدّعانا من تأثير عناصر الوراثة والتربية ، في الشّخصيّة ومعطياتها في خط التّقوى والفضيلة.
وأشارت الرّوايات التي نُقلت في ذيل هذه الآية ، لذلك المعنى (١) أيضاً ، وعلى كل حال ، فإنّ الآيات الآنفة الذّكر ، تدلّ على مدى تأثير معطيات التربية والبيئة والوراثة ، في نفسية الإنسان ، وأثرها العميق في صياغة قابليّاته ، والإرتفاع به للتّصدي لمقام الرئاسة المعنويّة على الخلق ، ولا يمكن إنكار تلك المَعطيات ، ولا يمكن أبداً مُقايسة هؤلاء الأطهار الذين عاشوا أجواءَ الفضيلة ، بالّذين ورثوا الكفر والفساد والنّفاق من آبائهم وأجدادهم.
وفي «الآية الرابعة» : خاطب الباري تعالى المؤمنين وقال لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).
وقد تَلت هذه الآية ، الآيات الّتي جاءت في بداية سورة التّحريم ، والتي حذّرت فيها نساء النّبي صلىاللهعليهوآله من أعمالهنّ ، وبعدها ذكر المطلب بصورة حكمٍ عامٍّ شمل كلّ المؤمنين.
ومن المعلوم أنّ المقصود من هذه النار ، هي نار الآخرة ، ولا يمكن الإتقاء من تلك النار ، إلّا بالإهتمام بعمليّة التعليم والتربية السّليمة في واقع الاسرة ، والتي بدورها توجب ترك المعاصي ، والإقبال على الطّاعة وتقوى الله تعالى. وبناءً على ذلك فإنّ هذه الآية تعيّن وتبيّن وظيفة ربّ الاسرة ، ودوره في التّربية والتعليم ، وكذلك تبيّن أهميّة وتأثير عنصر التربية والتعليم ، في ترشيد الفضائل والأخلاق الحميدة ، والسيّرة الحسنة.
ويجب الإهتمام في ترجمة هذا البرنامج ، إلى عالم الممارسة والتطبيق ، من أوّل لبنةٍ توضع في بناء الاسرة ، أي منذ إجراء عقد الزّواج والرّباط المُقدس ، ويجب الإهتمام بإسلوب التربية ، من أوّل لحظةٍ يولد فيها الطّفل ، ويستمر البرنامج التّربوي في كلّ المراحل التي تعقبها.
__________________
١ ـ يرجى الرجوع إلى نور الثقلين : (ج ١ ، ص ٣٣١).