وبعدها يشير إلى حقيقةٍ مهمّةٍ ، وهي أنّ أغلب بني آدم يتورطون غالباً بالمعاصي ، ويشير إلى معصية آدم : (التي هي في الواقع ، من ترك الأولى) ، وتوبته منها ، ويقول : «وما أجدر بالأولاد الإقتداء بالآباء والأجداد ، فلا غرو إن أذنب الآدمي وإجترم ، فهي شنشنةٌ يعرفها من أخزم ، ومن أشبه أباه ، فما ظَلم ، ولكنّ الأب إذا جبر بعد كسر ، وعمّر بعد أن هدم ، فليكن النزوع إليه في كلا طرفي ، النّفي والإثبات والوجود والعدم ، ولقد قلع آدم سنّ النّدم ، وتندّم على ما سبق منه وتقدّم ، فمن إتّخذه قدوةً في الذنب دون التّوبة فقد زلّت به القدم ، بل التجرد لمحض الخير دأب الملائكة المقرّبين ، والتجرُّد للشرّ دون التّلافي ، سجيّة الشّياطين ، والرّجوع إلى الخير بعد الوقوع في الشرّ ضرورة الآدميين ، فالمتجرّد للخير ملك مقرّب ، عند الملك الدّيان ، والمتجرّد للشرّ شيطان ، والمتلافي للشرّ بالرجوع إلى الخير بالحقيقة إنسان.
والمصرّ على الطّغيان ، مسجّل على نفسه بنسب الشّيطان ، فأمّا تصحيح النّسب بالتجرّد لمحض الخير إلى الملائكة ، فخارج عن حيّز الإمكان ، فإنّ الشرّ معجون مع الخير ، في طينة آدم ، عجناً محكماً لا يخلّصه إلّا إلى إحدى النارين : نار الندم أو نار جهنم» (١).
أو بعبارة اخرى : أنّ الإنسان غالباً ما يُخطيء ، وخصوصاً في بداية سيره إلى الله تعالى ، فإذا ما وجد أنّ أبواب العودة موصدةٌ في وجهه ، فسيورثه اليأس الكامل ، ويبقى يُرواح في مكانه ، ولذلك فإنّ التّوبة تعتبر من الاصول المهمّة في الإسلام ، فهي تدعو كلَّ المذنبين إلى العمل لإصلاح أنفسهم ، والدّخول في دائرة الرّحمة الإلهيّة ، والسّعي لجبران ما مضى.
وقد بيّن الإمام السّجاد عليهالسلام ، في مناجاته : «مناجاة التائبين» أفضل وأحلى صورة لها ، فقال :
«إِلَهي أَنْتَ الّذِي فَتَحْتَ لِعبادِكَ باباً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوبَةَ فَقُلْتَ تُوبُوا إِلى اللهِ تَوبَةً نَصُوحاً ، فَما عُذْرُ مِنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ» (٢).
والجدير بالذكر أنّ الباري تعالى يحبّ التّائبين ، لأنّ التّوبة تعتبر الخطوة الاولى لكي
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٧ ، ص ٦ و ٧ ، مع التلخيص.
٢ ـ المناجاة الخمسة عشر للإمام السجاد عليهالسلام ، المناجاة الاولى ؛ بحار الأنوار ، ج ٩٤ ، ص ١٤٢.