الإلهيّة ، تلك الرحمة التي سُلبت من الإنسان إثر إرتكابه للمعصية والذّنب ، فبعد عودته لموقع العبودية والعبادة ، تمتد إليه الرّحمة الإلهيّة من جديد ، وبناءاً على ذلك فإنّ أحد أسماء الباري تعالى ، هو (التواب).
و «التّوبة» في الحقيقة : هي مشترك لفظي أو معنوي بين الله وعباده ، (ولكن إذا ما نُسبت للعبد ، تتعدى بكلمة «إلى» ، وإذا ما نُسبت للباري تعالى ، فهي تتعدى بكلمة «على») (١).
وورد في «المحجّة البيضاء» ، عن حقيقة التّوبة فقال : «إعلم أنّ التّوبة عبارةٌ عن معنى ينتظم ويلتئم ، من ثلاثة امورٍ مرتّبةٍ : علم وحال وفعل ، فالعلم أوّل والحال ثان والفعل ثالث ، أمّا العلم فهو معرفة عِظم ضرر الذنوب ، وكونها حجاباً بين العبد وبين كلّ محبوب ، فإذا عرفت ذلك معرفةً محقّقةً بيقينٍ غالب على قلبه ، ثار من هذه المعرفة ، تألّمٌ للقلب بسبب فوات المحبوب ، فإنّ القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألّم ، فإن كان فواته بفعله تأسّف على الفعل المفوّت ، فيسمّى تألّمه بسبب فعله المفوّت لمحبوبه ندماً ، فإذا غلب هذا الألم على القلب وإستولى ؛ إنبعث من هذا الألم في القلب ، حالةً اخرىً تسمّي إرادةً وقصداً إلى فعلٍ له تعلّق بالحال وبالماضي والإستقبال.
فثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب ، نار الندم فيتألّم به القلب ، حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أن صار محجوباً عن محبوبه» (٢).
وهو الشّيء الذي يدعوه البعض : بالثّورة الروحيّة والنفسيّة ، ويعتبرون التّوبة نوعاً من الإنقلاب الرّوحي ، في باطن الإنسان على كلّ شيء ، وتحثّه هذه الحالة على إتخاذ موقف جديد ، حيال أعماله وبرامجه الآتية ، من موقع الوضوح في الرّؤية لعناصر الخير والشرّ.
٢ ـ وجوب التّوبة
إتّفق علماء الإسلام على وجوب التّوبة ، وكذلك فإنّ القرآن قد صرّح بها في الآية (٨)
__________________
١ ـ تفسير الفخر الرازي وتفسير الصّافي ، ذيل الآية ٣٧ من سورة البقرة.
٢ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٧ ، ص ٥.