يقول البعض : إنّ التّوبة يجب أن تكون شاملةً لكلّ الذّنوب ، لأنّ المسألة تعود إلى عِصيان الباري تعالى ، وَهَتك حُرمته ، فالنّادم يجب أن يترك كلّ الذّنوب ، لا أنّ يُصِرّ عليها.
لكن هذا الكلام مُجانب للصواب ، حيث يمكن القول بصحّة التّجزئة في عمليّة التّوبة ، (وصرّح بها بعض العلماء ، مثل المرحوم النّراقي في «معراج السعادة» ، وقد نقلها عن أبيه رحمهالله) ، لأنّه ربّما يكون الإنسان ، على إطّلاعٍ كاملٍ على آثار بعض الذّنوب وَعَواقبها السّيئة ، أو هو عند الله أشدّ وأقبح ، ولأجل ذلك فإنّه يتركه على مستوى الممارسة ويتوب منه ، أمّا بالنّسبة للذنوب التي هي أقلّ قُبحاً ، أو أقل عِقاباً ، أو لأنّ علمه بها وإطلاعه على ما يترتب عليها من المفاسد ، ليس كافياً بالدّرجة التي تردعه عنه ، فإنّه يستمر في ممارستها.
فأكثر التائبين هم كذلك ، فغالباً ما يقلعون عن بعض الذّنوب ، ويبقون على البَعض ، ولم يردنا شيءٌ من قبل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، أو الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، أو علماء الإسلام ، ينفي قبول مثل هذه التوبة ، ويؤكّد على التوبة الكاملة الشاملة لكلّ الذنوب التي يرتكبها الإنسان.
ونرى في الآيات الشّريفة ، إشارات واضحة على معنى التّجزئة في التّوبة ، وصحّة القول بالتّفكيك ، فمثلاً بالنّسبة للمُرابين ، يقول تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ)(١).
وبالنّسبة للمرتدين بعد الإيمان ، يقول تعالى : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ... (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»)(٢).
وبالنّسبة للمحاربين والمتسببّين في ضَلال الناس والمجتمع ، فبعد ذكر ما يستحقون من العِقاب الشّديد ، يقول تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣).
وأمّا بالنّسبة للأعمال المنافية للعفّة ، فيقول تعالى : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٤).
وفي مكان آخر أشار إلى الذّنوب ، مثل : الشّرك ، وقتل النفس ، والزنا ، وعقوباتها ، فقال :
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية ٢٧٩.
٢ ـ سورة آل عمران ، الآية ٧٨ و ٧٩.
٣ ـ سورة المائدة ، الآية ٢٤.
٤ ـ سورة النساء ، الآية ١٦.