الخطوة التالية التي ذكرها علماء الأخلاق ، في خطّ الإلتزام الدّيني بعد التّوبة : «المشارطة» :
والقصد منها هو الإشتراط على النّفس وتذكيرها وتنبيهها ، وأفضل الأوقات لها هو بعد صلاة الفَجر ، والتنوّر بأنوار هذه العبادة الإلهيّة ، الكبيرة العظيمة عند الله تعالى ، فيذكّر نفسه ويوصيها بأن تَتحرك في طريق الخَير والصّلاح ، فإذا ما إنقضى العُمر فلن يفيد النّدم ، ولا يمكن الإستدراك ، وليجعل نصب عينيه هذه الآية الشّريفة : (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) ، فإذا ما ضاع العُمر ، فلن ينفع شيءٌ بعده : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(٢).
وعليه أنّ يُحدِّث نَفسه ، ويقول لها : تصوّري أنّ العُمر قد إنقضى ، وزالت الحُجب وتجلّت الحقائق المُرّة ، وبرزت مَعالم العَذاب ، وهَولِ المطّلع ، ومُنكَر وَنكير ، فحينئذٍ تشعرين بِحالة النَّدم على ما عَمِلْتِ ، وتقولين : (رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ)(٣).
وعلى فرض إنّك لم تسمعي جواب : «كلّا» ، وأعادوكِ الى الدنيا فهل ستتعظين وتُكَفّرين عمّا قصرتِ في جَنب الله؟؟
ثمّ يوصي نفسه بجوارحه السّبعة : العَين والاذن واللّسان واليّد والرّجل والبطن والفَرج ، فهذه الجوارح مُنصاعَةٌ لكِ اليوم وفي خدمتك ، فلا تقحميها في المعاصي ، فإنّ لجهنَّم سبعة أبوابٍ ، لكلِّ باب جماعةٌ خاصةٌ من النّاس ، يدخلون جهنّم منها ، فعليك بالسيّطرة الدّقيقة على الجوارح لئَّلا تنحرف عن الطّريق القويم ، والهدف المرسوم لها ، وبذلك توصَد أبواب جهنم دونها ، وتفتح أبواب الجنان لها؟.
ويُوصي النّفس بالمُراقبة لِجوارحه ، للإستعانة بها في طريق الطّاعة لا المعصية ، فهي نِعَمٌ كبيرةٌ مُحاسب عليها الإنسان غداً.
ونَجد في أدعية الإمام السجاد عليهالسلام ، تأكيداً لمسألة المُشارطَة في حركة الإنسان المنفتح على الله.
__________________
١ ـ سورة العصر ، الآية ١ و ٢.
٢ ـ سوره العصر ، الآية ٣ و ٤.
٣ ـ سورة المؤمنون ، الآية ١٠٠.