ولأجل السّير في طريق تهذيب الأخلاق والسلوك إلى الله تعالى ، نحتاج إلى نيّة جادّةٍ ، وإرادةٍ حاسمةٍ ، لأنّ ضعف الإرادة ، يمثّل أكبر عائقٍ أمام تحقيق ما يطمح إليه الإنسان ، في دائرة التّكامل الأخلاقي ، فأيّ مانع يقف بوجهه ، سُرعان ما يُولّي دُبُرَه ويعود أدراجَه ، فالضّعف في عنصر الإرادة ، بإمكانه أن يتَسرّب إلى سائر القوى الباطنيّة ، وبالعكس ، فإنّ القويُّ الإرادة ، سيقوم بتوظيف قِواه ، وملكاته الداخليّة ، ويدفعها بقوةٍ نحو الهدف المنشود.
وهذا هو الأمر ، الذي عبّر عنه القرآن الكريم ب : «العزم» ، وقد سُمّي الأنبياء العظام ، لعزمهم القوي ، وإرادتهم الحديديّة ، ب الأنبياء أولو العزم) (١)
فخاطب القرآن الكريم ، الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، قائلاً : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٢).
وبالنسبة لآدم عليهالسلام ، قال : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٣) ، حيث تناول من الشّجرة الممنوعة ، ولم تكن لديه إرادةٌ قويةٌ في خطّ الطّاعة.
أمّا في دائرة الرّوايات الشّريفة ، فنرى أنّها توّجهت إلى عنصر العزم ، وأكّدت عليه من موقع الأهميّة. ومنها :
ما نقل عن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ، في أدعية رجب ، نقرأ : «وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَفضَلَ زَادِ الرَّاحِلِ إِلَيكَ عَزْمُ إِرادَةٍ يَخْتارُكَ بِها وَقَدْ ناجاكَ بِعَزمِ الإِرادَة قَلبي» (٤).
وفي حديث آخر عن الصّادق عليهالسلام ، قال : «إِنّما قَدَّرَ اللهُ عَوْنَ العِبادِ عَلى قَدْرِ نَيّاتِهِم ، فَمَن صَحَّتْ نِيَّتَهُ تَمَّ عَوْنُ اللهِ لَهُ ، وَمَنْ قَصُرَتْ نِيَّتَهُ قَصُرَ عَنْهُ العَوْنَ بِقَدْرِ الَّذِي قَصَّرَهُ» (٥).
وفي حديثٍ آخر ، عنه عليهالسلام : «ما ضَعُفَ بَدَنٌ عَمّا قَوِيتْ عَلَيهِ النِّيَّةُ» (٦).
فهذا الحديث ، يبيّن لنا فاعليّة الإرادة ، ودورها في الصّعود بالقوى الجسمانيّة ، إلى أبعد الحدود والمراتب في حركة الإنسان.
__________________
١ ـ ورد في مقاييس اللغة : أن العزم في الأصل بمعنى القطع ، والإرادة القاطعة اخذت منه.
٢ ـ سورة آل عمران ، الآية ١٥٩.
٣ ـ سورة طه ، الآية ١١٥.
٤ ـ نقله المحدّث القمي في مفاتيحه ، عن إبن طاووس رحمهماالله تعالى ، وهو في أعمال شهر رجب المُرجّب.
٥ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٧ ، ص ٢١١.
٦ ـ المصدر السابق ، ص ٢٠٥ ، ح ١٤.